الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

الحزبية خروج عن النصوص الشرعية

الحزبية خروج عن النصوص الشرعية
مصطلح «الحزب» و«الحزبية» مصطلحٌ شاع الحديث عنه في المجالس، وكثر الخوض فيه، وهو مصطلح أطلق في كتاب الله على معنيين اثنين، معنى محمود، ومعنى مذموم، فمن أطلق على هذا المصطلح الذم دون تقييد، أو العكس؛ فقد خرج عن الصواب.
إن «الحزب» قد ينسب إلى الله تعالى فيكون محموداً. وقد ينسب إلى الشيطان أو أحد أعوانه فيكون مذموماً. قال تعالى عن الأول: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}, أي: جنده الذين يمتثلون أمره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه.
وعن الثاني يقول تعالى:{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}, أي: جنوده وأتباعه ورهطه.
فحزب الله تعالى هم جماعة المسلمين، الذين أُمر المسلم بالانضمام إليهم {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}, ونهى عن مفارقتهم والخروج عليهم «فإنَّ من خَرَجَ عن الجَّماعةِ قَيدَ شِبرٍ فَقد خَلعَ ربقَة الإِسلامِ من عُنُقهِ» وإذا مات «مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وهذا الحزب هو جماعة المسلمين؛ هم الذين انتظمهم إمامٌ معلوم له قدرةٌ، ينفِّذ الحدود ويردع الظالم، ويقيم الصلاة.
فهذا حزب الله؛ يمدح أهله، ويحمدون في الشرع، إذ هم الناجون السالمون؛ نجوا من النار، وسلموا من البدع. فلا يسع المسلم سوى اللحاق بركبهم، ونصرتهم، والذب عنهم، والنصح لهم.
ومن خرج عن هذه الدائرة: جماعة المسلمين؛ فقد خرج إلى «حزب الشيطان» بشعبه العديدة وطرقه الكثيرة الموصلة إلى سخط الله والنار. فالكفار حزب الشيطان والمشركون حزب الشيطان وأهل البدع ـ الخوارج والجهمية والقدرية والرافضة ـ حزب الشيطان. وهكذا كل من فارق جماعة المسلمين بقلبه أو يده أو لسانه فهو من حزب الشيطان.
فمن جاء إلى بلاد مسلمة ـ كالبلاد السعودية ـ فأقام حزباً، أو دعى إلى إقامة حزبٍ؛ فهو على غير هدى، وهو في ضلال عريض. نصوص الوحي الشريف تبطل عمله، وتدحض حجته، وتلحقه بأهل الجاهلية الأولى، أياً كان قصده، وعلى أيِّ حال كانت نيته، فليس له حجة مقبولة عند الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ», وبيان فساد حجته واضح جليٌ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر حالين ـ كما في حديث حذيفة ـ وذكر حكم كل حالٍ ببيانٍ واضحٍ وصريح؛
 فالحال الأولى: حال وجود جماعة المسلمين. والحكم عندئذٍ: وجوب الاعتصامِ بها ولزومها، وتحريم الخروج عليها. والجماعة هي مَنْ قام عليها حاكم مسلمٌ له سلطة، ينفذ بها الحدود ويرد بها المظالم ويحمي بها البلاد من الأعداء ويقيم الصلاة.
والحال الثانية: حال عدم وجود جماعة المسلمين. فليس للمسلمين إمام يجتمعون عليه يقيم فيهم القسط وشعائر الله. والحكم عندئذٍ: اعتزال الفرق كلها. وهذه الحال الثانية لم يصل إليها المسلمون بعد، فإذا وصل إليها المسلمون؛ لم يجز لمؤمنٍ بالله واليوم الآخر أن يخوض مع الخائضين من الفرق، بل يعتزلها، ويعبد ربَّه، إذ الفرق وبالٌ وبلاء.
فأَين حجة الخارج عن حزب الرحمن إلى حزب الشيطان عند هذا البيان النبوي الناصع؟ إنها هباءٌ في أدراج الرياح لا يقام لها وزن.
فلا يجوز لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يقيم حزباً في بلاد المسلمين يخرج به عن جماعتهم، فلا «إخوانية» ولا «تبليغ» ولا «تحرير» مع وجود الحاكم المسلم الذي بايعه المسلمون وانتظم به جمعهم.
يقول بعض التابعين: خرج علينا عثمان بن عفان فخطبنا. فقطع قومٌ عليه كلامه، فتراموا بالبطحاء حتى لم نبصر أديم السماء.
قال: فسمعنا أم المؤمنين من أحدِ حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: «ألا إِنَّ نبيكم قد برئ ممَّن فَرَق دينه واحتزب», وتلت قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.
فالأحزاب والجماعات فرقة نهى الله تعالى عنها، وبرأ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم منها، وبين سوء عاقبتها في الدين والدنيا، فلا يعين عليها إلا جاهلٌ أو زنديق، ولا يحب إشاعتها في المؤمنين إلا خائن ذو غِلٍّ عظيم.
وهل قامت أو تقوم هذه الأحزاب إلا على «السرية» التي ليست في دين الإسلام بعد أن أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}, وهل السرِّية بعد ذلك إلا دليل على فساد وضلال يتخفى أصحابه من أعين أهل العلم خشية الانفضاح. يقول الخليفة الرَّاشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه: « إِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا يَتَنَاجَوْنَ فِي دِينِهِمْ بِشَيْءٍ دُونَ الْعَامَّةِ, فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ عَلَى تَأْسِيسِ ضَلَالَةٍ », أخرجه أحمد في «الزهد» واللالكائي في «السنة», وصدق ـ وايم الله ـ فإنه ما انفتح باب سوء على المسلمين كباب السريات التي أنبتت كل مذهب باطلٍ، يهدم الإسلام ويزعم أنه ناصر له. وتاريخ نشوء الفرق الضالة خير شاهد على تصديق ذلك.
فالمسلم العاقل لا ينخدع بالمظهر دون المخبر، ولا يكون غرّاً يتأثر بالشعارات. فما أكثر الشعارات الداعية إلى الإسلام، إلا أن الشعار الصادق واحد ليس له ثانٍ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}, يقول صلى الله عليه وسلم عن الفرق التي ستكون في أمته، وهي ثلاث وسبعون فرقة «كُلهَا في النَّارِ إِلا وَاحدة هي الجَّماعة».
فإياك إياك أيها المسلم وهذه الأحزاب، فإنك إن تلق الله بكبائر الذنوب ـ سوى الشرك بالله ـ أيسر من أن تلقاه بهذه المحدثات التي ألصقت بالشرع زوراً وبهتاناً.

ليست هناك تعليقات:

';