الثلاثاء، 23 أبريل 2019

من روائع إبن القيم رحمه الله وما قاله عن الشرك بالله

فلما كان الشرك أكبر شيء منافاة للأمر الذي خلق الله له الخلق وأمر لأجله بالأمر، كان أكبر الكبائر عند الله، وكذلك الكبر وتوابعه كما تقدم فإن الله سبحانه خلق الخلق وأنزل الكتاب لتكون الطاعة له وحده، والشرك والكبر ينافيان ذلك. ولذلك حرم الله الجنة على أهل الشرك والكبر، ولا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر." "وأصل الشرك بالله الإشراك في المحبة كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ) البقرة: 165 فأخبر سبحانه أن من الناس من يشرك به ندا يحبه كما يحب الله، وأخبر أن الذين آمنوا أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم.
 الشرك في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات: "الشرك به سبحانه في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات، فالشرك فى الأفعال كالسجود لغيره والطواف بغير بيته، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض، وتقبيل القبور واستلامها، والسجود لها، وقد لعن النبي من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى لله فيها فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله؟ وفى الصحيحين عنه أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (مجموع الفتاوى: 27/34) وفى الصحيح عنه: «أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» (مجمع الزوائد: 8/16) وفي الصحيح أيضا عنه: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد» (مجموع الفتاوى: 17/500)   "ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ، كالحلف بغيره، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» (صحيح ابن حبان: 4358).  
 ومن ذلك قول القائل للمخلوق: (ما شاء الله وشئت)، كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال له رجل: «ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله وحده» (مدارج السالكين: 1/602)." (4)   "أما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه؛ فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته. والإخلاص: أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته، وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [ آل عمران: 85] وهي ملة إبراهيم التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء. 
  فائدة: "ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة - دواوين الظلم- عند الله عز وجل حرم الجنة على أهله، فلا تدخل الجنة نفس مشركة وإنما يدخلها أهل التوحيد، فإن التوحيد هو مفتاح بابها، فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها، وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به، وأسنان هذا المفتاح هي: الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المكر وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وبر الوالدين فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحا صالحا من التوحيد وركب فيه أسنانا من الأوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به فلم يعقه عن الفتح عائق اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها وإن لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده فلا بد من دخول النار ليخرج خبثة فيها ويتطهر من درنه ووسخه ثم يخرج منها فيدخل الجنة فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب قال سبحانه وتعالى: الَّ {ذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [النحل: 32] وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول أي بسبب طيبكم قيل لكم ادخلوها.   وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث.  
 الفرق بين ذنوب الموحدين والشرك: " فالمسلمون ذنوبهم ذنوب موحدين، ويقوي التوحيد على محو آثارها بالكلية وإلا فما معهم من التوحيد يخرجهم من النار إذا عذبوا بذنوبهم.   وأما المشركون والكفار فإن شركهم وكفرهم يحبط حسناتهم، فلا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة، ولا يغفر لهم شيء من ذنوبهم، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]" 
   "فالذنوب تزول آثارها بالتوبة النصوح، والتوحيد الخالص، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة لها، وشفاعة الشافعين في الموحدين، وآخر ذلك إذا عذب بما يبقى عليه منها أخرجه توحيده من النار، وأما الشرك بالله والكفر 
بالرسول فإنه يحبط جميع الحسنات بحيث لا تبقى معه حسنة. 
------------------------------------------------------------------------------------
(1) الداء والدواء، 145. (2) الداء والدواء،190. (3) الداء والدواء، 134. (4) الداء والدواء، 135. (5) الداء والدواء، 136. (6) الوابل الصيب، 33. (7) هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصاري، 252 (طبعة: دار الريان للتراث). (8) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصاري، 252. (9) مدارج السالكين 1/458.

ليست هناك تعليقات:

';