بن_حنفية_العابدين

إشارة إلى بيان غير حكيم من أحد مشايخ العاصمة، والذي حصر فيه أهل السنة في جماعة معينة دون غيرها، مما قد يحدث القلاقل والتوترات وزرع بذور الفتنة في مجتمعنا، بل وإلى فتنة طائفية في بلادنا حفظها الله من كل مكروه، كما هو واقع في كثير من بلاد المسلمين، شيخنا #بن_حنفية_العابدين رئيس لجنة الدعوة والإرشاد بالمكتب الوطني الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، يبين خطورة تلك التصنيفات على الاستقرار المجتمعي وافتقادها للحكمة وبعد النظر:
الخاطرة رقم 30

من أعظم وسائل حفظ هذا الدين حفظا عمليا تكليفيا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنه وظيفة كل مسلم بحسب ما يعرفه من دينه، إذ لا بد أن يعلم قدرا ما منه، فيتعين عليه تبليغه، وما أحسن قول ابن العربي المالكي: إن كل مسلم عالم"!! .
لقد علقت خيرية هذه الأمة المرحومة بهذا الأمر، فأخبر عنها ربنا بقوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" .
وأوجب ذلك على أفرادها فقال: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" .
وتعدى التشربع الرباني في هذه المسألة مجرد الأمر والنهي إلى التغيير، وذكرت له مراتب ثلاثة حتى يفعل كل مسلم ما يقدر عليه منها، فلا يفوته حظه من هذه الفضيلة العظيمة كيفما كانت منزلته، جاء ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
فكل المسلمين حكاما كانوا أو محكومين آمرون ومؤتمرون، الا ما خص به الحكام لرعاية منزلتهم، وحفظ سلطانهم، فتقدم النصيحة لهم في الخلوة ما أمكن، ولا تتخذ ذريعة لتهييج الناس عليهم، وقد يسر الله تعالى وسائل جديدة في هذا العصر ينبغي أن يستفاد منها .
ولعظم حرص هذا الدين على الأمن والسكينة حض الأفراد على الصبر على ما قد يلحقهم من جور الحكام في أشخاصهم وأموالهم درءا للمفاسد العظمى بما دونها كما في حديث ابن مسعود مرفوعا: "تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك"، مع أن الحاكم الجائر قد أوعد الوعيد الشديد، وهدد التهديد الأكيد، فليس الحض على الصبر عليه هو استخذاء من الصابر، ولا هوان منه كما يظنه المتعجلون .
وقد جاءت مراتب تغيير المنكر الثلاثة في جانب الحكام الجائرين أيضا في حديث ابن مسعود: "... فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن... الحديث .
وقد كان الإمام أحمد يستنكر هذا الحديث لمخالفته جمهور الأحاديث الآمرة بالصبر عليهم كما سبق، وحمله المحققون من أهل السنة الذين لا يضربون النصوص بعضها ببعض على تغيير المنكر الذي يحدثه الحكام متى قدر عليه، لا على الخروج عليهم ومقاتلتهم، كما هو دأب الذين يسفكون دماء المسلمين اليوم بغير حق، مع أن هذا التغيير الذي قال به أحمد في رواية أخرى وابن رجب وغيرهما مما لا يتأتى اليوم، والمقام لا يسع الببان .
فإذا فرطت الأمة في هذا الأمر التحقت بغيرها من الأمم التي حاق بها غضب الله واستحقت عقابه، كما ذكر الله ذلك عن بني إسرائيل .
وأولى الناس بهذه المهمة الحكام والعلماء، فإن الحكام يقدرون على ما لا يقدر عليه غيرهم لما لهم من القوة والسلطان، الذي يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، ولا شك أن معظم حكام المسلمين قد تخلوا عن هذا الأمر اليوم .
أما العلماء فلما لهم من الحجة والبرهان، يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وبالرفق واللين، وهم على بصيرة من دينهم، ومعرفة بحال أمتهم، مشفقين عليها، متدرجين بها إلى الخير، من غير تفريط، صابرين على بطء الاستجابة، غير مستفزين من الذين لا يوقنون، ولا مستعجلين متهورين .
إن الدعاة إلى الله لم يخول لهم الشرع أن يأطروا الناس على الحق أطرا، ولا أن يلزموهم به قسرا، أو يسيطروا عليهم نوعا ما من السيطرة، فإنهم بمثابة المفتين، لا القضاة الحاكمين، فإن قصر الحكام فأمرهم إلى الله، وما أرسلوا عليهم حافظين .
مهما يكن فلا يجوز أن تمس الدعوة إلى الحق بسكينة المجتمع ولا بأمنه، ولا بما بين أبناء الوطن من الترابط والتواصل الذي هو من أحسن الوسائل لنشر الحق والدعوة إلى الخير .
إن هذا الذي سمعنا به مقدمة لشر مستطير، أدناه أن تعرف الدعوة صنوفا أخرى من التضييق والعسف، مع أننا ندين الله تعالى بأن خير العقائد وأزكى المناهج هو ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين في العلميات والعمليات والسلوك، لكن طريق الدعوة إليه ليس هذا الذي رأيناه هذه الأيام من الفجور في الخصام، والإسفاف في الكلام، وأخطرها ربط الدعوة إلى الله بأفراد معينين في البلد وخارجه، وكذا المسارعة الفجة إلى شحن دواعي الفرقة بهذا الأسلوب البعيد عن الاتزان العلمي والرفق الدعوي .
بن حنفية العابدين
مكة في السابع من رجب     1439  

ليست هناك تعليقات:

';