الدُّعاء ...من أجلِّ العبادات وأعظم الطَّاعات
وأنفع القربات، وهو زاد المؤمنين المتَّقين، وعنوان التَّذلُّل والخضوع
لربِّ العالمين، نوَّهت به النُّصوص الشَّرعيَّة، وبيَّنت مكانته وفضله
وعظم شأنه، وأمرت به وحثَّت عليه، وحذَّرت من تركه والاستكبار عنه، وقد
سمَّاه الله في القرآن عبادة في أكثر من آية، كقوله سبحانه ﴿وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾ [غافر]، وسمَّاه دينًا كما في قوله جلَّ وعلا: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: 14]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثمَّ قرأ: ﴿
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾»([2]).
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْء أَكْرَم عَلَى اللهِ تَعَالى مِنَ الدُّعَاءِ»([3]).
فهذه النُّصوص وغيرها كثير ممَّا ورد في شأن
الدُّعاء تدلُّ على كرمه وعظم منزلته عند الله، وأنَّه يمثِّل لبَّ العبادة
وروحها، والعبادة هي الغاية الَّتي خُلِق الخلق لأجلها وأوجدوا لتحقيقها([4]).
* معنى الاعتداء في الدُّعاء:
الاعتداء بمفهومه العام هو «تجاوزٌ في الشَّيء
وتقدُّمٌ لما ينبغي أن يقتصر عليه، والتَّعدِّي: تجاوز ما ينبغي أن يُقتصر
عليه، والاعتداء مشتقٌّ من العدوان»([5]).
وأمَّا معنى الاعتداء المتعلِّق بالدُّعاء، فقد تقاربت أقوال أهل العلم في بيانه وذكر حدِّه عند تفسيرهم لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾ [الأعراف].
فقال ابن جرير رحمه الله في «تفسيره» (8/207):
«إنَّ ربَّكم لا يحبُّ من اعتدى فتجاوز حدَّه الَّذي حدَّه لعباده في
دعائه ومسألته ربَّه ورفعه صوته فوق الحدِّ الَّذي حدَّ لهم في دعائهم
إيَّاه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور».
وقال بكر بن عبد الله أبو زيد في «تصحيح
الدُّعاء» (ص41 و42): «والاعتداء في الدُّعاء هو تجاوز الحدِّ الَّذي حدَّه
الشَّرع المطهَّر فيه، فيحصل في الدُّعاء من الخلل بحسب ما يحصل من
التَّجاوز قوَّةً وضعفًا، من الشِّرك ووسائله، ومن البدع والمحدثات».
* حُكم الاعتداء في الدُّعاء:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الفتاوى الكبرى» (5/338):
«ويحرم الاعتداء في الدُّعاء لقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾، وقد يكون الاعتداء في نفس الطَّلب، وقد يكون في نفس المطلوب».
وقال الشَّيخ بكر أبو زيد في «تصحيح الدُّعاء» (ص61) عند استدلاله بالآية على حرمة الاعتداء:
«فهذا يعمُّ النَّهي عن كلِّ اعتداء، وتجاوز
في الدُّعاء، ومن مشموله: الابتداع في الدُّعاء على أيِّ وجه كان في زمان
أو مكان أو مقدار أو أداء».
ووجه الدَّلالة من هذه الآية: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
﴾ أنَّها تضمَّنت نهيًا عن الاعتداء، وهو ـ أي الاعتداء ـ وإن كان عامًّا
يشمل كلَّ نوع من الاعتداء، إلَّا أنَّه لمَّا جاء عقب الأمر بالدُّعاء في
قوله: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ دلَّ دلالة خاصَّة على المنع من الاعتداء في الدُّعاء.
قال القرطبي في «تفسيره» (7/226): «يريد في الدُّعاء وإن كان اللَّفظ عامًّا، والمعتدي هو المجاوز للحدِّ ومرتكب الحظر».
ونقل الطَّبري في تفسيره للآية عن ابن عبَّاس قوله: «في الدُّعاء ولا في غيره».
وقال شيخ الإسلام في «المجموع» (15/23) في معرض كلامه على هذه الآية: «وعلى هذا فتكون الآية دالَّة على شيئين:
أحدهما: محبوب للرَّبِّ سبحانه وهو الدُّعاء تضرُّعًا وخفية.
الثَّاني: مكروه له مسخوط وهو الاعتداء.
فأمر بما يحبُّه وندب إليه، وحذَّر ممَّا
يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزَّجر والتَّحذير وهو لا يحبُّ فاعله،
ومن لا يحبُّه الله فأيُّ خير يناله؟».
ومن النُّصوص الدَّالَّة على تحريم الاعتداء في الدُّعاء: ما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّة قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطّهُورِ والدُّعَاءِ»([6]).
فمجيء الحديث بصيغة الإخبار دليلٌ على وقوع ذلك، والذَّمّ لمن يفعله والتَّحذير من مغبَّة التَّلبُّس به.
قال المناوي في «فيض القدير» (4/130): «أي يتجاوزون الحدود، يدعون بما لا يجوز، أو يرفعون الصَّوت به، أو يتكلَّفون السَّجع».
* أنواع الاعتداء في الدُّعاء وأمثلته:
الاعتداء في الدُّعاء يشتمل على أنواع كثيرة،
وهي ما بين المكروه والمحرَّم، ويقع في الألفاظ كما يقع في المعاني، وفي
الأداء وفي الطَّريقة، وسنعرض أنواعه وأمثلته حسب الأهميَّة والخطورة.
الأوَّل ـ الشِّرك بالله تعالى في الدُّعاء:
وهو أعظم العدوان؛ لأنَّه وضع العبادة في غير موضعها، وهذا النَّوع من العدوان داخل دخولًا أوَّليًّا في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) ﴾.
قال شيخ الإسلام في «المجموع» (15/23):
«فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا، فإنَّ أعظم العدوان الشِّرك، وهو وضع
العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لابدَّ أن يكون داخلًا في قوله: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) ﴾».
ومن صوره: دعاء غير الله تعالى، سواء دعاه مستقلًّا أو دعاه ليكون واسطة، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأحقاف: 5]، وهذا النَّوع من الاعتداء يقع في دعاء الثَّناء والعبادة كما يقع في دعاء الطَّلب والمسألة.
الثَّاني ـ الابتداع في الدُّعاء:
قال شيخ الإسلام في «المجموع» (15/23): «ومن
الاعتداء أن يعبده بما لم يشرع، ويثني عليه بما لم يُثنِ به على نفسه، ولا
أذِن فيه، فإنَّ هذا اعتداء في دعائه: الثَّناء والعبادة، وهو نظير
الاعتداء في دعاء المسألة والطَّلب».
وقد مرَّ أنَّ الدُّعاء عبادة، وهي توقيفيَّة،
فمن زاد فيها أو أنقص منها على وجه التَّعبُّد فقد وقع في الاعتداء وعبد
الله بما لم يأمره به، وسأله بما لم يشرعه له.
والابتداع في الدُّعاء يكون أحيانًا بزيادة
ألفاظٍ على الدُّعاء المأثور، وأحيانًا يكون بإحداث دعاءٍ لم يثبت في
السُّنَّة، ولكلٍّ منهما أمثلة كثيرة.
ويكثر هذا النَّوع من الاعتداء في الأدعية
المحدَثة المبتَدَعة الَّتي أنشأها بعض المتكلِّفين، وكتبها بعض
المتخرِّصين دون رجوعٍ إلى الكتاب والسُّنَّة، ودون اعتبارٍ لدعوات
الأنبياء والمرسلين، وأدعيةِ سيِّد الأوَّلين والآخرين.
قال أبو بكر الطُّرطوشي رحمه الله: «ومن العجب
العجاب أن تُعرِض عنِ الدَّعوات الَّتي ذكرها الله في كتابه عن الأنبياء
والأولياء والأصفياء مقرونةً بالإجابة، ثمَّ تنتقي ألفاظ الشُّعراء
والكُتَّاب، كأنَّك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم ثمَّ استعنت بدعواتِ مَن
سواهم»([7]).
والأدهى في تلك الدَّعوات أنَّها متضمِّنة لألفاظٍ كُفريَّةٍ، وتوسُّلاتٍ بدعِيَّةٍ، واستغاثاتٍ شِركيَّةٍ.
قال القرافي في [«الفروق» (4/264 ـ 265)] بعد
أن ذكر أنَّ الأصل في الدُّعاء التَّوقُّف، وذكر أنواعًا من هذه الأدعية
الكُفريَّة: «إذا تقرَّر هذا: فينبغي للسَّائل أن يحذر هذه الأدعية وما
يجري مجراها حذرًا شديدًا؛ لما تؤدِّي إليه من سخط الدَّيَّان والخلود في
النِّيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال، وهذا
فسادٌ كلُّه يتحصَّل بدعاءٍ واحدٍ من هذه الأدعية ولا يرجع إلى الإسلام…».
الثَّالث ـ سؤال الله تعالى ما لا يجوز له سؤاله:
وذلك لأنَّ الاعتداء كما يقع من جهة الطَّلب
بأن يستعمل صيغًا منافيةً للأدب مع الله، أو فيها إخلالٌ من جهة اللَّفظ أو
المعنى، يقع أيضًا في جهة المطلوب وهو الأكثر.
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (8/378):
«والاعتداء في الدُّعاء يقع بزيادة الرَّفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل
حصوله شرعًا أو بطلب معصيةٍ أو يدعو بما لم يُؤثَر».
ولهذا جعل العلماء ـ تجنُّبًا للوقوع في مثل
هذا النَّوع من الاعتداء ـ من شرط المدعُوِّ فيه أن يكون من الأمور الجائزة
شرعًا: طلبًا وفعلًا.
قال القرطبي في «تفسيره» (2/311): «ومن شرط المدعوِّ فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطَّلب والفعل شرعًا».
ومن صور هذا النَّوع من الاعتداء:
ـ سؤال ما لا يليق بالعبد الدَّاعي: كأن يسأل
الله بأن يكون ملَكًا أو يسأله بلوغ منازل الأنبياء ودرجاتهم، وهذا ليس من
صالح الدُّعاء، ولو كان الدَّافع إليه محبَّة الملائكة والأنبياء ومحبَّة
ما هم عليه من التَّفضيل والتَّكريم.
قال شيخ الإسلام في «بيان تلبيس الجهمية»
(2/352): «كما يسأل الرَّجل ما لا يصلح، وهو من الاعتداء في الدُّعاء، مثل
أن يسأل منازل الأنبياء ونحو ذلك، فإنَّ الله قادر على ذلك، ولكن مسألة هذا
عدوان».
ويتجلَّى هذا العدوان في أنَّ المرء لا يمكن أن يبلغ بعمله ـ وإن بلغ في الحسن أقصاه ـ منزلة ملَك أو نبيٍّ.
ويقرب من هذا من يسأل الممكن لكنَّه بعيد عن
أسبابه، متقاعس عن بذل ما يوصل إليه، كأن يسأل الله بلوغ منزلة عالم من
العلماء أو عابد من العبَّاد، ولا يُعرف عنه جِدٌّ وتحصيلٌ في علم أو عمل.
ذكر ابن القيِّم في «فوائده» (ص260): «أنَّ
رجلًا قال بحضرة عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ما أحبُّ أن أكون من
أصحاب اليمين، أحبُّ أن أكون من المقرِّبين، فقال عبد الله: لكن ها هنا
رجلٌ ودَّ أنَّه إذا مات لم يُبعث، يعني نفسه».
ـ سؤال الله تعالى المعونة.. على فعل المحرَّمات
وغشيان المعاصي وتيسير الأسباب الموصلة إليها: وذلك لأنَّ الله كره
للمؤمنين الكفر والفسوق والعصيان، فلا يليق بهم أن يطلبوا منه ما حرَّمه
عليهم وبغَّضه لهم، ولو فعلوا لحُرموا إجابة الدُّعاء، وكان ذلك منهم
اعتداءً وتجرُّءًا على الله.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ»([8]).
قال القرطبي في «الجامع» (2/311): «فيدخل في الإثم كلُّ ما يأثم به من الذُّنوب ويدخل في الرَّحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم».
ـ الدُّعاء على مَنْ لا يستحقُّه: لما في ذلك
من الظُّلم والعدوان الَّذي حرَّمه الله، كالدُّعاء على النَّفس والأهل
والأموال بالهلاك أو الفساد أو الضَّياع، قال النَّبيُّ صلى الله عليه
وسلم: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى
أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا توَافقُوا مِنَ
الله سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيب لَكُمْ»([9]).
ومن هذا؛ أن يدعو المرء على نفسه بالموت لضرٍّ
نزل به، أو يسأل ربَّه أن يعجِّل له العقوبة في الدُّنيا فَرَقًا من عذاب
الآخرة، ولهذا لمَّا عاد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا من المسلمين
قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ، قال له: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إيَّاه؟» قال: نعم، كنت أقول: اللَّهمَّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجِّلْه لي في الدُّنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ
اللهِ، لَا تُطِيقُهُ ـ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ ـ، أَفَلَا قُلْتَ:
اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قال: فدعا الله له، فشفاه»([10]).
ومنه ـ أيضًا ـ الدُّعاء على المؤمنين
باللَّعنة والخزي ونحو ذلك، فقد نقل البغوي في «تفسيره» (2/166) عن عطيَّة
في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) ﴾: «هم الَّذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ، فيقولون: اللَّهمَّ أَخزِهم، اللَّهمَّ العنهم».
وقال النَّووي في «الأذكار» (515): «فصل: لو
دعا مسلم على مسلم فقال: اللَّهمَّ اسلُبْه الإيمان، عصى بذلك، وهل يكفر
الدَّاعي بمجرَّد هذا الدُّعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من
أئمَّة أصحابنا في الفتوى، أصحُّهما: لا يكفر، وقد يحتجُّ لهذا بقول الله
تعالى إخبارًا عن موسى: ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا…﴾ [يونس:88]، وفي هذا الاستدلال نَظَرٌ، وإن قلنا: إنَّ شرع من قبلنا شرع لنا».
ومن الأدعية الَّتي نسمعها كثيرًا في خطب
الجمعة ودعاء القنوت والَّتي فيها هذا النَّوع من الاعتداء قول الدَّاعي:
«اللَّهُمَّ أَبْرم لهذه الأمَّة أمر رشدٍ يُعزُّ فيه أهل طاعتك ويُذلُّ
فيه أهل معصيتك».
والأولى أن يُستبدل لفظ «يُذلّ» بـ «يُهدى»؛
لأنَّه لا أحد من المسلمين يسلم من معصية الله، فكأنَّه دعاء بالذِّلَّة
على أهل الإسلام جميعًا.
ومن هذا أيضًا: أن يسأل الدَّاعي الله أن
يرحمه دون غيره من المسلمين لما في ذلك من تحجير رحمة الله وتضييقها، ولهذا
لمَّا قال الأعرابي: «اللَّهمَّ ارحمني ومحمَّدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»،
قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا»([11]).
وهناك نكتة بديعة ذكرها شيخ الإسلام في معرض حديثه عن دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفيه «وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ»، قال رحمه الله في «الرَّدِّ على البكري» (1/207): «دعاء عادل لا دعاء معتدٍ يقول: انصرني على عدوِّي مطلقًا».
وعليه: فالدُّعاء على الكفَّار بالاستئصال
والإبادة نوع من الاعتداء في الدُّعاء, جاء في فتوى «اللَّجنة الدَّائمة»
(24/276): «وقول الكاتب: «اللَّهمَّ عليك بالكفَّار والمشركين واليهود،
اللَّهمَّ لا تُبقِ أحدًا منهم في الوجود، اللَّهمَّ أَفنِهِم فناءك عادًا
وثمود»، والدُّعاء بفناء كلِّ الكفَّار اعتداء في الدُّعاء؛ لأنَّ الله
قدَّر وجودهم وبقاءهم لحكمة، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».
ـ سؤال الله بما يناقض شرعه وأمره أو خبره أو حكمته:
قال ابن القيِّم في «بدائع الفوائد» (3/13):
«فكلُّ سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمَّن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمَّن
خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبُّه الله ولا يحبُّ سائله»، لما في ذلك
من إكذاب الله تعالى لنفسه، وتجاوز إلى ما هو من خصائص الرَّبِّ سبحانه
وفعله، وتلاعب بالشَّرع بردِّ ما قضاه الله من أمره الشَّرعي والكوني،
كالدُّعاء للكفَّار بالمغفرة والرَّحمة لنهي الله تعالى نبيَّه صلى الله
عليه وسلم وسائر المؤمنين عنه، أو سؤال الله العافية مدى الدَّهر، أو سؤاله
العصمة من الذُّنوب، أو الدُّعاء بالخلود في الدُّنيا، كأن يقول:
«اللَّهمَّ لا تُمِتني»، أو الدُّعاء لغيره ممَّن يحبُّ بقوله: «أدام الله
أيَّامك»([12])،
أو الدُّعاء برفع لوازم البشريَّة من الحاجة إلى الطَّعام أو الشَّراب، أو
أن يهب له ولدًا من غير زوجة، أو الدُّعاء بأن لا يقيم السَّاعة، أو
الدُّعاء بأن لا يُحْوِجَه لأحد من خلقه([13])، أو أن لا يبتليه الله إلَّا بالَّتي هي أحسن([14]).
ومن الأدعية المنتشرة عند نزول المصائب:
«اللَّهمَّ إنَّا لا نسألك ردَّ القضاء ولكن نسألك اللُّطف فيه»، ومثل هذا
الدُّعاء محرَّم لا يجوز، وذلك لأنَّ الدُّعاء يردُّ القضاء كما جاء في
الحديث، وفيه نوع تحدٍّ لله أيضًا بقوله: اقضِ ما شئتَ ولكن اللُّطف([15]).
رابعًا ـ سوء الأدب في دعاء الله ومناجاته:
وذلك بأن يخاطب الدَّاعي ربَّه على حالة أو
هيئة لا تليق بمقام الدُّعاء ومن يدعوه، أو يأتي بألفاظ وجملٍ تنبِئ عن سوء
أدب وقلَّة حياء وركاكة عقل.
وصور هذا النَّوع من الاعتداء كثيرة، ومنها:
ـ رفع الصَّوت بالدُّعاء فوق الحاجة: لأنَّ الأصل في ذلك الإسرار بالمناجاة كما قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف:55].
قال ابن المنير رحمه الله: «وحسبك في تعيّن
الإسرار في الدُّعاء اقترانه بالتَّضرُّع في الآية، فالإخلال به كالإخلال
بالضَّراعة إلى الله في الدُّعاء، وإنَّ دعاءً لا تضرُّع فيه ولا خشوع
لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية ولا وقار يصحبه»([16]).
وقد فسَّر بعض السَّلف قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
﴾ بالَّذين يرفعون أصواتهم رفعًا زائدًا على الحاجة، منهم عبد الملك بن
عبد العزيز ابن جريج المكي (ت150هـ) قال: «من الاعتداء رفع الصَّوت
والنِّداء بالدُّعاء والصِّياح»([17]).
ـ دعاء الله من غير تَضرُّع ولا إظهار
للتَّذلُّل والخضوع: قال شيخ الإسلام في «المجموع» (15/23): «ومن العدوان
أن يدعوَه غير متضرِّع، بل دعاء هذا كالمستغني المُدَلِّي على ربِّه، وهذا
من أعظم الاعتداء لمنافاته لدعاء الذَّليل، فمن لم يسأل مسألة مسكين
متضرِّع خائف فهو معتدٍ».
ـ الدُّعاء بتكثير الكلام وتفصيله ممَّا لا
لزوم له: ومن ذلك التَّطويل في تشقيق العبارات، وتنميق الألفاظ، والمبالغة
في ذكر التَّفاصيل، وقد عدَّه سعد ابن أبي وقَّاص رضي الله عنه من الاعتداء
في الدُّعاء؛ روى أبو داود([18])
وغيره عن ابن سعد ابن أبي وقَّاص أنَّه قال: «سمعني أبي وأنا أقول:
اللَّهمَّ إنِّي أسألك الجنَّة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من
النَّار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بنيَّ! إنِّي سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الدُّعَاءِ»، فإيَّاك أن تكون منهم، إن أُعطيت الجنَّة أُعطيتها وما فيها من الخير، وإن أُعِذت من النَّار أُعذت منها وما فيها من الشَّرِّ».
وقد علَّل بعضهم نهي سعد رضي الله عنه لابنه عن ذاك التَّفصيل لكونه من تكثير الكلام بدون فائدة.
ومن أمثلة ما يقع فيه بعض الدَّاعين اليوم من
زيادة ألفاظٍ لا حاجة إليها كقول الدَّاعي: «اللَّهمَّ انصر المجاهدين في
سبيلك» فيزيد: «في كلِّ مكان»، أو يزيد: «فوق كلِّ أرض وتحت كلِّ سماء».
وكقول الدَّاعي أيضًا: «اللَّهمَّ ارحمنا فوق
الأرض، وارحمنا تحت الأرض، وارحمنا يوم العرض»؛ فهذا إضافة إلى أنَّه دعاء
مخترع تُكُلِّف فيه السَّجع، ففيه ألفاظ زائدة لا حاجة إليها، ويكفي أن
يقول: «اللَّهمَّ ارحمنا في الدُّنيا والآخرة»، وهدي النَّبيِّ صلى الله
عليه وسلم كما قالت عائشة: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يستحبُّ
الجوامع من الدُّعاء ويدع ما سوى ذلك»([19]).
ـ تقصُّد السَّجع في الدُّعاء وتكلُّفه:
والسَّجع موالاة الكلام على رويٍّ واحد، فتكلُّفه مانع من الخشوع ومُنافٍ
للضَّراعة والابتهال، وقد قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) ﴾.
قال بعض المفسِّرين: معناه التَّكلُّف في الأسجاع، وهذا التَّفسير ببعض المعنى.
وقال القرطبي في «تفسيره» (7/226): «ومنها أن
يدعو بما ليس في الكتاب والسُّنَّة، فيتخيَّر ألفاظًا مقفرة وكلمات مسجعة
قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معوّل عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما
دعا به رسوله عليه السلام، وكلُّ هذا يمنع من استجابة الدُّعاء».
وقال البخاري في «صحيحه» (6337): (باب ما يكره
من السَّجع في الدُّعاء)، وساق تحته أثرًا عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضي
الله عنهما، وفيه: «فانظر السَّجع من الدُّعاء فاجتنبه، فإنِّي عهدت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلَّا ذلك» يعني لا يفعلون
إلَّا ذلك الاجتناب.
ومن السَّجع المتكلَّف ما يُشعر السَّامعَ
أنَّ الدَّاعي يلقي موعظة أو يقرأ خطبة، كقول بعضهم: «اللَّهمَّ ارحمنا إذا
ثقل منَّا اللِّسان، وارتخت منَّا اليدان، وبردت منَّا القدمان، ودنا
منَّا الأهل والخِلَّان، وشخصت منَّا العينان،..»، وقول الآخر وهو يدعو على
الكفرة: «اللَّهمَّ لا تدَع لهم طائرة إلَّا أسقطتها، ولا سفينة إلَّا
أغرقتها، ولا دبَّابة إلَّا نسفتها، ولا مدرَّعة إلَّا دمَّرتها، ولا..
الخ»، وكأنَّه يملي على العزيز المقتدر كيف يصنع بأعدائه وينزل عليهم
عقابه، وقول الدَّاعي: «يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظُّنون ولا يصفه
الواصفون»، قال الشَّيخ ابن عثيمين في «الفتاوى» (14/143) عن هذا
الدُّعاء: «هذه أسجاع غير واردة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وفيما
ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلُّف».
ـ دعاء الله بذكر أسماء وأوصاف وثناءات لم
يُثنِ بها الله على نفسه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن فيها: وهذا
النَّوع من الأدعية موجود بكثرة عند من حُرم علوم التَّوحيد، ومِن أشرفه
توحيد الأسماء والصِّفات، وطاش قلبه في مهاوي التَّحريف والتَّعطيل.
قال الخطَّابي في «شأن الدُّعاء» (ص16): «وقد
أولِع كثير من العامَّة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سمَّوها ما أنزل
الله بها من سلطان، وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمُّونه
«الألف اسم»، صنعها لهم بعض المتكلِّفين من أهل الجهل والجرأة على الله
تعالى، أكثرها زور وافتراء على الله تعالى، فليتجنَّبها الدَّاعي إلَّا ما
وافق منها الصَّواب».
ثمَّ ذكر أمثلة لذلك ممَّا يسمع على ألسنة
العامَّة وكثير من القصَّاص، قولهم: «يا سبحان، يا برهان، يا غفران، يا
سلطان» وما أشبه ذلك, وهذه الكلمات وإن كان يتوجَّه بعضها في العربية على
إضمار النِّسبة بـ«ذي»، فإنَّه مستهجَن مهجور؛ لأنَّه لا قدوة فيه، ويغلط
كثير منهم في مثل قولهم: «يا رب طه ويس، ويا رب القرآن العظيم».
وممَّا يكثر في الدُّعاء عند بعضهم: الدُّعاء بـ:«يا فرد، يا ساتر، يا ذا المنِّ»، وهي أسماء لا تثبت في حقِّ الله تعالى([20]).
وقول البعض الآخر في ذكر صفاته: «يا من لا
تراه العيون، ولا تخالطه الظُّنون، ولا يصفه الواصفون»، فالدُّعاء بمثل هذا
لا يجوز؛ لأنَّه سبحانه يراه المؤمنون يوم القيامة في الموقف وفي الجنَّة،
وإنَّما يحجب عنه الكافرون([21])، كما أنَّ عبارة «لا يصفه الواصفون» فيها نظر ظاهر؛ لأنَّ الله سبحانه يوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الشَّيخ صالح الفوزان في «المنتقى» (1/49): «وربَّما يكون هذا اللَّفظ منقولًا عن نفاة الصِّفات».
ومن ذلك قول بعضهم: «يا مَن أمره بين الكاف
والنُّون»، وهذا كما قال الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله: «غلط عظيم،
والصَّواب: «يا مَن أمره بعد الكاف والنُّون»؛ لأنَّ ما بين الكاف والنون
ليس أمرًا، فالأمر لا يتمُّ إلَّا إذا جاءت الكاف والنُّون؛ لأنَّ الكاف
المضمومة ليست أمرًا، والنُّون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمرًا»([22]).
ومن ذلك قولهم في دعاء الثَّناء: «في السَّماء
مُلكُك، وفي الأرض سلطانُك، وفي البحر عظمتُك..»، وهذه العبارة ـ كما جاء
في فتوى «اللَّجنة الدَّائمة» ـ: «تركُها أولى؛ لأنَّ فيها إيهامًا، فقد
يظنُّ منها البعض تخصيص الملك بالسَّماء فقط، أو السُّلطان بالأرض فقط،
وهكذا، وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عامٌّ في جميع خلقه»([23]).
هذا؛ وهناك أنواع أخرى تدخل في الاعتداء، وقد
تكون من فروع ما ذُكر، كالتَّغنِّي والتَّلحين في الدُّعاء، وتقصُّد
التَّشهُّق والبكاء، وتعليق الدُّعاء على المشيئة، والدُّعاء بأمر قد فُرغ
منه، وغير ذلك ممَّا يصعب الإحاطة به على وجه التَّفصيل.
* أمور ليست من الاعتداء:
1/ الإكثار من الدُّعاء:
قال الخطَّابي في «شأن الدُّعاء» (ص14): «وليس معنى الاعتداء الإكثار منه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ اللهَ»([24]).
2/ السَّجع إذا لم يكن متكلَّفا ولا مقصودًا:
قال السَّفاريني في «غذاء الألباب» (1/49):
«ولا يتكلَّف السَّجع في الدُّعاء، فإنَّه يشغل القلب ويُذهب الخشوع، وإن
دعا بدعوات محفوظة معه له أو لغيره من غير تكلُّف سجع فليس بممنوع».
وقال ابن حجر في معرض ذمِّه لمن تكلَّف
السَّجع في الدُّعاء ـ كما في «الفتح» (11/129) ـ: «ولا يرِد على ذلك ما
وقع في الأحاديث الصَّحيحة؛ لأنَّ ذلك كان يصدر من غير قصد إليه، ولأجل هذا
يجيء في غاية الانسجام، كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ»، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ وَعْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ» الحديث، وكقوله: «أَعُوذُ بكَ مِنْ عَيْنٍ لَا تَدْمَعْ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعْ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعْ»».
3/ اللَّحن في الدُّعاء إذا صدر من غير عارف بالنَّحو وقواعده:
سئل شيخ الإسلام عن رجلٍ دعا دعاءً ملحونًا،
فقال له رجل: ما يقبل الله دعاءً ملحونًا, فأجاب رحمه الله بما نصُّه: «من
قال هذا القول فهو آثم مخالف للكتاب والسُّنَّة ولِما كان عليه السَّلف،
وأمَّا من دعا الله مخلصًا له الدِّين بدعاء جائز سمعه الله وأجاب دعاءه،
سواء كان مُعرَبًا أو ملحونًا, والكلام المذكور لا أصل له، بل ينبغي
للدَّاعي إذا لم يكن عادته الإعراب أن لا يتكلَّف الإعراب، قال بعض
السَّلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع..»([25]).
4/ الدُّعاء بجميع أدعية القرآن الخاصَّة بالمؤمنين من الأنبياء وغيرهم:
ويستثنى من ذلك ما علم أنَّه خاصٌّ بنبيٍّ كدعاء نوح مثلًا على أهل الأرض بالهلاك: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) ﴾ [نوح]، فإنَّ هذا الدُّعاء كان بعد أن أعلمه الله أنَّه لا يؤمن من قومه إلَّا من قد آمن([26]).
ومن أمثلة دعاء المؤمنين دعاء خاتمة البقرة: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
﴾؛ فهذا الدُّعاء عدَّه بعض أهل العلم من الاعتداء في الدُّعاء بسبب أنَّ
الله أجرى هذا حكمًا في أنَّه لا يؤاخذ من نسي أو أخطأ ولا يكتب عليه
وزرًا، فمن دعا به ـ وهو عالم بأنَّ الله قد أعطاه إيَّاه ـ فكأنَّه شكَّ
في تكفُّل الله به.
والصَّحيح أنَّ هذا ليس من الاعتداء في
الدُّعاء؛ لأنَّ عدم المؤاخذة على النِّسيان والخطأ خاصٌّ بالمؤمن
الموحِّد، فكأن الدَّاعي بهذا يسأل ربَّه أن يكون من زمرة المؤمنين
الموحِّدين الَّذين أكرمهم الله بهذا الفضل والإحسان، فهو شبيه بمن قال:
«اللَّهمَّ ثبِّتني على الإيمان، اللَّهمَّ لا تزغ قلبي حتَّى لا أؤاخذ
بنسياني أو خطئي»([27]).
***
هذا ما تيسَّر جمعه والوقوف عليه مع الإقرار
بأنَّ الموضوع متَّسع الشُّعب والأطراف، كثير الفروع والأمثلة يحتاج إلى
مزيد جمع وضبط وترتيب، وفَّق الله كلَّ راغب في نفع المسلمين ونصحهم.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه.
***
([1]) نشر في مجلَّة «الإصلاح»: العدد (19)/ربيع الأوَّل ـ ربيع الثَّاني 1431هـ.
([2]) التِّرمذي (3247)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (1757).
([3]) التِّرمذي (3370)، وابن ماجه (3829)، وحسَّنه الألباني في «صحيح التِّرمذي».
([4]) «فقه الأدعية والأذكار» لعبد الرَّزَّاق البدر ـ بتصرُّف.
([5]) «معجم مقاييس اللُّغة» (4/349) ـ بتصرُّف.
([6]) أبو داود (96)، وصحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود».
([7]) «الفتوحات الرَّبَّانيَّة» لابن علَّان (1/19).
([8]) مسلم (2735).
([9]) مسلم (3009).
([10]) مسلم (2688).
([11]) رواه البخاري (6010).
([12]) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه العبارة: «من الاعتداء في الدُّعاء؛ لأنَّ دوام الأيَّام محال مناف لقوله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) ﴾ وقوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) ﴾» [«المناهي اللَّفظيَّة» رقم (417)].
([13]) سمع الإمام
أحمد رجلًا يقول هذا الدُّعاء فقال: «هذا رجل تمنَّى الموت، والأسلم أن
يقول: لا تحوجني إلى شرار خلقك» [«معجم المناهي اللَّفظيَّة» (135)].
([14]) «معجم المناهي اللَّفظيَّة» (135).
([15]) انظر: فتوى الشَّيخ ابن باز في «مجلَّة الدَّعوة» (1441).
([16]) «الانتصاف على حاشية الكشَّاف» (2/110).
([17]) «معالم التَّنزيل» للبغوي (2/166).
([18]) «سنن أبي داود» (1482)، وهو في «صحيح الجامع» للألباني (3565).
([19]) «تصحيح الدُّعاء» (ص69).
([20]) انظر: «المنتقى» للفوزان (1/27)، و«السُّنن والمبتدعات» للشّقيري (ص133).
([21]) انظر: فتوى للشَّيخ ابن باز ـ «جريدة الرِّياض» بتاريخ: (11/09/1418).
([22]) «شرح الأربعين النَّوويَّة» (ص 76).
([23]) «فتاوى اللَّجنة» (26/370).
([24]) ابن حبَّان في «صحيحه» (889)، وهو في «صحيح الجامع» (591).
([25]) «مجموع الفتاوى» (22/488).
([26]) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (8/336).
([27]) أفاده الشَّيخ صالح آل الشَّيخ ضمن أجوبته في «شرح الطَّحاوية» (22/488) بتصرُّف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق