الطبيعة تتبدل من أجلهم : الشمس تقف وتنكسف والجبال تتزحزح والصخور تتفجر .
.
قال الصيادي: « ثبت بين السادة الرفاعية أن وقفت الشمس في قرصها للسيد قطب الدين أحمد كي لا تفوته صلاته. فلما وصل إلى قرية «أم عبيدة» توضأ وصلى لوقته فسقطت الشمس غائبة لوقتها». (1)
.
ولا تتوقف الشمس أيضاً عن الحركة من أجل أحد مشايخ الرفاعية، بل إنها تنكسف لموت أحدهم أيضا كما صرح بذلك الصيادي والنبهاني وغيرهما، حيث ذكروا بأن الشمس كسفت لموت إبراهيم الأعزب. (2)
.
وهذه مخالفة صريحة لا يغفل عنها عالم ولا جاهل، فمن منا يجهل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) (3)
.
وكذلك تتزحزح الجبال بمجرد إشارة من أحدهم وهو الشيخ عقيل المنبجي الملقب بـ «الطيار» لكثرة ما كان يطير في الهواء (4) وتتفجر الصخرة عيونا من الماء بوكزة منه.
.
ويسأل عقيل هذا عن علامة الرجل المتمكن، فيقول بأن علامته: أنه لو قال لهذا الجبل تحرك لتحرك. قال: فتحرك الجبل. (5)
.
وهذه مواصفات وقدرات خارقة عديدة تجتمع في أحد مشايخ الطريقة وهو الشيخ عبدالله بن نجم الدين مبارك الصيادي الرفاعي الذي كان يثني على نفسه قائلا:
«منذ عامين وأنا أتلو سطور القربى، وأتقلب على بساط الصديقية الكاملة، وتحف حضرتي أقطاب الشرق والغرب ويجيئني الخضر، وأرى النبي صلى الله عليه وسلم «عيانا» وأتلقى عنه عليه الصلاة والسلام الأوامر الخاصة وتخدمني الهوام، وأفهم لغات الطيور والوحوش، وأسمع تسبيح الجمادات، وتمر بي حوادث الأكوان، ويرهب مكانتي الزمان، وتساعدني الأقدار بكل ما أروم ويبشرني الوارد المحمدي بالترقيات والقبول، وتسلم علي الأبدال، وتتضرع بي الأنجاب، وتنكشف لي عوالم البراري والبحار» (6)
.
فهذا الرجل لم يؤت ما أوتيه سليمان عليه السلام فحسب، وإنما أوتي ما أوتيه الأنبياء جملة واحدة، وربما ما لم يؤتوه أيضاً.
.
ومما يحكى عنه من الكرامات أن أبا بكر الدينوري سمع الصوفية يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ))من أكل مع مغفور له غفر الله له)) (7) ، فلم يصدق به فسأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن درجة هذا الحديث فقال له: أنا قلت هذا الحديث، وغدا تأكل مع مغفور له ويغفر الله لك .
.
وفي اليوم التالي أخذ نجم الدين لقمة وقال له: « كل يا أخي أبا بكر، صدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل مع مغفور له غفر الله له، وأنت مغفور لك». (8)
فالرجل لم يتحقق من الحديث بالرجوع إلى رجاله ورواته وإنما بالتحقق من النبي صلى الله عليه وسلم شخصياً، وهذا مشهور عند الصوفية أنهم ربما سألوه في الرؤيا عن الحديث الموضوع فيقول لهم أنا قلته، وربما سألوه عن الحديث الصحيح المتواتر فيقول: لم أقله فيعتبروه حينئذ موضوعا وإن رواه البخاري ومسلم. بمعنى آخر أن لهم إسناد خاص وحكم خاص على الحديث يأخذونه عن النبي مباشرة لا على الطريقة التي مضى عليها أهل الحديث كالبخاري ومسلم وغيرهما .
.
ثم قد ذاع عند المتصوفة أيضا دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم عيانا يقظة لا مناما، كما في نص الشيخ نجم الدين «وأرى النبي عيانا» وكما في ادعاء الشيخ جلال الدين الرفاعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بضعا وسبعين مرة. والذي ألف كتابا جمع فيه من اجتمعوا به يقظة وأسماه: تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك. (9)
.
وهو قول لا يسلم من الزامات عديدة، منها:
أن يصير الذي يراه يقظة «صحابيا» .
أن يصير زائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم إنما يزور قبراً خالياً.
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم متنقلا تارة هنا وتارة هناك إذ أن مدعي رؤيته عيانا كثيرون بل منهم من يزعم رؤيته كل يوم بل كل ساعة، وقد بلغ الأمر بأحدهم أن ادعى أنه لو غاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عد نفسه من المسلمين. (10)
.
على أنهم ذكروا أن أبا الفضل الواسطي كان يعرف أيضا لغة الحيوانات والطيور ويذكر جميع أحوالهم وما هم عليه في البر (11)
المصادر : (1) ((إرشاد المسلمين)) (ص( 110، ((التاريخ الأوحد)) (ص( 71، ((روضة الناظرين)) (ص 99) . (2) ((قلادة الجواهر)) (ص 337)، ((جامع كرامات الأولياء)) (1/238)، ((تنوير الأبصار)) (ص( 36، ((التاريخ الأوحد)) (ص67(، ((روضة الناظرين)) (ص90). (3) رواه البخاري (1048) ومسلم (911) . (4) ((جامع كرامات الأولياء)) (2/153)، وقالوا عن عقيل المنبجي أيضاً: أنه كان له التصرف في الوجود وأنه كان من الذين يبرؤون الأكمه والأبرص ويحيون الموتى بإذن الله . (5) ((ترياق المحبين))( 45 و(46، وانظر ((قلادة الجواهر)) (ص335)، ((جامع كرامات الأولياء)) 1)/237 و 2/268) ((روضة الناظرين)) (ص36). (6) ((تنوير الأبصار)) (ص67)، ((خزانة الإمداد)) (ص (97، ((روضة الناظرين)) (ص 109) . (7) قال ابن كثير في تفسيره لا أصل له، وفي ((المقاصد الحسنة)) (211) قال السخاوي : قال شيخنا [يعني ابن حجر]: هو كذب موضوع وقال مرة أخرى: أنه لا أصل له صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وقال ابن القيم في ((المنار المنيف)) (140) موضوع، وفي ((أحاديث القصاص)) (36) قال ابن تيمية: ليس له إسناد عند أهل العلم ولا هو في شيء من كتب المسلمين وإنما يروونه عن سنان وليس معناه صحيحاً على الإطلاق فقد يأكل مع المسلمين الكفار والمنافقين. (8) ((روضة الناظرين)) للوتري الرفاعي (ص (92، ((التاريخ الأوحد)) (ص68)، ((إرشاد المسلمين))(ص100). (9) ((قلادة الجواهر)) ( 422 – 423) . (10) ((طبقات الصوفية)) للشعراني 2) / 14) ، ((جامع كرامات الأولياء))(1 / 314) . (11) ((إرشاد المسلمين)) (ص 7 ). -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق