ماذا يرى الصوفية في خلواتهم :

       روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يقول المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : قوله : (إن إبليس يضع عرشه) أي سرير ملكه (على الماء) ويقول : يعني جعله الله تعالى قادراً عليه استدراجاً ليغتر بأن له عرشاً كعرش الرحمن كما في قوله تعالى: ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) [11: 7]، ويغر بعض السالكين الجاهلين بالله أنه الرحمن كما وقع لبعض الصوفية على ما ذكر في النفحات الإنسية، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى عرشاً على الماء. فقال له صلى الله عليه وسلم : ترى عرش إبليس . . ومن خلال دراسة تاريخ التصوف اليهودي، فقد تشكلت حلقات من أتباع يوحنان بن زكاي، وهو من معلمي المشناه (تنائيم) ومن مؤسسي حلقة يفنه التلمودية في القرنين الأول والثاني. وحاولت هذه الحلقات أن تغوص في أسرار الخلق أو ما يُسمَّى عمل الخليقة (بالعبرية: معسيهبريشيت)، وفي طبيعة العرش الإلهي (أو المركبة) (بالعبرية: معسية مركافاه). وقد ساهمت كتاباتهم في وضع أسس أدب الهيخالوت الصوفي، أو الحجرات السماوية، الذى ازدهر في بابل بيزنطة في القرنين السابع والثامن، والذي يصوِّر سبعة قصور أو عوالم سماوية تسكنها الملائكة التي تسبِّح بحمد الإله. ويوجد عرش الإله، حسبما جاء في قصص هذا الأدب، في العالم السابع، أي في السماء السابعة. وقد اعتقد أتباع هذه المدرسة أنه من خلال التدريبات الروحية الصارمة، ومن خلال الصوم وإرهاق الجسد، يمكن الوصول إلى الشطحات الصوفية التي تمكِّن الواصلين (أو مشاهدي المركبة) من أن يشعروا بروحهم وهي تصعد من خلال هذه السماوات حتى تصل إلى النقطة التي يطالعون فيها، وبشكل مباشر،التجلي أو الحضور الإلهي والعرش الإلهي. وبإمكان الأرواح التي تصل إلى هذه المنزلة أن تكشف أسرار الخلق وطُرق الملائكة وموعد وصول الماشيَّح. وينتمي كتاب سفر يتسيرا (كتاب الخلق) إلى هذه الفترة نفسها والتي تمتد بين القرنين الثالث والسادس، وهو يصف بنية الكون من خلال التجليات النورانية العشرة، أو قدرات الرب الكامنة العشرة أو القنوات العشر (سفيروت)، وحروف الأبجدية وقيمتها العددية وقوتها الخالقة وهذا ما يُعرف عند الصوفية اليوم بالأوفاق وحساب الجُمَّل . . قال ابن عباس في قوم يكتبون ( أبا جاد ) و ينظرون في النجوم : " ما أرى مَنْ فَعَلَ ذلك له عند الله مِنْ خَلاق " و كتابة ( أبا جاد ) هي ما يُسمى بعلم الحروف و حساب الجُمَّل الذي يتعاطاه الصوفية عن طريق ترتيب ( أبجد هوز ) فالصوفية في الحقيقة يرون الشيطان ويرون المركافاه . قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) ولما بلغ ابن عمر أن المختار الثقفي (الذي ادعى النبوة) يزعم أنه يوحى إليه قال: صدق، يقول تعالى : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) [الأنعام:121]. وقال: ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) . أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة. . ويُحكى عن عبد القادر الجيلانى رحمه الله أنه قال :" إشتد عليَّ الحر فى بعض الأسفار يوما حتى كدت أن أموت عطشا ، فظللتني سحابة سوداء وهب عليَّ منها هواء بارد حتى دار ريقي فى فمي ، واذا بصوت ينادينىي منها : يا عبد القادر ، أنا ربك ، فقلت له : أنت الله الذى لا إله إلا هو ؟ قال : فنادانى ثانيا ، فقال : يا عبد القادر ، أنا ربك ، وقد أحللت لك ما حرمت عليك ، قال : فقلت له : كذبت يا عدو الله ، بل أنت شيطان ،قال : فتمزقت تلك السحابة وسمعت من ورائي قائلا : يا عبد القادر نجوت منى بفقهك فى دينك ، لقد فتنت بهذه الحيلة قبلك سبعين رجلاً . . وننوه هنا أنَّ الشيخ عبد القادر الجيلاني كان من فقهاء الحنابلة وكان متبعا لا مبتدعا ، وكان على طريقة السلف الصالح يحث في مؤلفاته على اتباع السلف ، ويأمر أتباعه بذلك . وكان يأمر بترك الابتداع في الدين ، ويصرح بمخالفته للمتكلمين من الأشاعرة ونحوهم وقد وقع في مؤلفاته بعض الغلطات والهفوات والبدع التي تنغمر في بحار فضائله . --- فائدة : أَخْرَجَ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه ( 105 ) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594 ) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ : " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام . وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو ( ص64 ) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية ( ص 100 ) .

ليست هناك تعليقات:

';