الـتـصرف في الأكـوان :
.
التصرف في الكون عند المتصوفة أشبه ما يكون بالتفويض الإلهي للولي لفعل ما يريد في الكون ويصير متصفا بصفات الحق ومتميزا بميزات عديدة منها:
ما نقل عن الرفاعي أنه قال: «والولي إذا أصلح سره مع الله تعالى: كلفه ما بين السماء والأرض، ثم لا يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن يصير صفة من صفات الحق تعالى، فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا بنظره». (1)
.
وزيادة على ذلك فإنه يكون له حماية خمسين فرسخا، ومائة فرسخ، وألف فرسخ .. ومنهم من يكون له حماية كذا وكذا سنة. (2)
.
ثم لا تزال ترتفع همته وترتقي رتبته عند الله، حتى تصير همته خارقة للسموات السبع، وتصير الأرضون السبع كالخلخال برجله، ويصير صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيء» (3) .
.
وقد جعل الرفاعيون هذه المرتبة للشيخ الرفاعي، فذكروا أنه كان قطب الأقطاب في الأرض، ثم انتقل إلى قطبية السموات، ثم صارت السموات السبع في رجله كالخلخال. (4)
.
ويحكون أنه وقف مرة على شاطئ النهر وقال لأتباعه: «أعطاني الله التصرف في الأشياء كلها، ثم قال: سيري يا سفن وقف يا ماء، فأوقف حركة الماء حتى صار جماداً ومع ذلك أمر السفن بمتابعة المسير فسارت. ثم بدل الطبيعة الكونية مرة أخرى فأمر الماء أن يسير وأن تتوقف السفن فقال: سر يا ماء وقفي يا سفن. فسار الماء وجمدت السفن. (5)
.
ومثل ذلك فعل أبو علي الروزباري حين أزعجه صوت الريح واهتزاز أغصان الشجر فنظر إلى الشجر فجمدت وبقيت الريح على سرعتها وقوتها. (6)
.
وأصدر الرفاعي أمراً إلى شجرة بالمجيء إليه بينها وبينه نهر الفرات، وأقسم عليها بذلك قائلا: «أقسم عليك بالعزيز سبحانه إلا ما أجبت دعوتي وأتيتيني طائعة، فانشقت الأرض، وانفلق البحر، وأتت الشجرة طائعة ناطقة بلسان عربي فصيح تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأشهد أنك شيخ الشيوخ على الإطلاق وشيخ أهل الأرض والسماء». (7)
.
.
ومن التصرفات في الطبيعة الكونية ما يروى عنه من أنه :
- كان يصلي الصبح في مكة.
- والظهر في المدينة.
- والعصر في بيت المقدس.
- والمغرب في بعلبك.
- والعشاء في جبل «قاف» (8)
.
وذكروا أن الشيخ إبراهيم الأعزب كان له خمسون ألف تلميذ، فقال أحد تلاميذه في نفسه: كيف يقدر هذا على تربية هؤلاء ومعرفتهم ؟ فاطلع الشيخ على ما أسره في نفسه وقال له: إن الله تعالى جعل قلوب الكل بيدي. ثم جمع أصابعه في الهواء وإذا بتلاميذه يهرولون من كل مكان حتى امتلأ المكان، ثم بسط أصابعه فرجع كل واحد منهم من حيث جاء. (9)
.
قال الصيادي: فانظر يا أخي إلى هذا التصريف العظيم .
كفر ظاهر: إرادة الشيخ إبراهيم عندهم غلبت إرادة الله .
وقد زعموا أن الشيخ إبراهيم هذا كانت إرادته تعارض إرادة الله في ملكه، وزعموا أن الله ناداه «سيدي إبراهيم» .
فقد حكى محمد أبو الهدى الصيادي أن الشيخ أحمد الرفاعي قال لإبراهيم: «ناداني العزيز سبحانه وقال: إني أريد أن أخسف الأرض وأرمي السماء على الأرض، فقلت: إلهي من ذا الذي يعارضك في ملكك وإرادتك ؟
قال: سيدي إبراهيم. فأخذته الرعدة ووقع على الأرض». (10)
.
وقد رووا عن إبراهيم هذا أنه كان يقول: « أعطاني ربي عز وجل التصريف في كل من حضرني، فلا يقوم أحد ولا يقعد ولا يضحك في حضرتي إلا وأنا متصرف فيه، فقال رجل من الحاضرين في نفسه: فها أنا أقوم وأقعد إذا شئت. فقطع الشيخ إبراهيم كلامه والتفت إليه وقال: انهض. فلم أستطع. ثم قال: يا بني ألم تعلم أن قلوب الخلق بين أيدينا كالمصابيح من وراء الستارة نشهدها رأي العين . (11)
.
وكان (على حد قولهم) ظاهر التصريف في البواطن والظواهر وكان إذا قال لأشد الناس خوفا من النار: اذهب إلى النار: لم يشعر بنفسه إلا في النار ويمكث فيها ما شاء الله ويخرج منها وما احترقت ثيابه، وكان إذا أحب رجلا لا يقدر ذلك الرجل على مفارقته ويجد باعثاً من نفسه يقوده إليه طوعا أوكرها. (12)
.
وذكروا أيضا أن الشيخ منصور البطائحي - خال الشيخ الرفاعي - حضر معركة بين جيش العراق وجيش العجم لم تقع بعد. فصفق بيده فتصادم الجيشان، ثم قبض اليد اليسرى وقال: هذه لجيش العجم. فظهر جيش العجم على جيش العراق. فلما بسطها ظهر الجيش العراقي وهزم الجيش العجمي هزيمة ساحقة. (13)
.
ويحكون عن الشيخ منصور أنه كان على قدر عظيم من التصريف فقد وصفوه بأن الله «أظهره للوجود، ووهبه المراتب المنيعة، وصرفه في الأكوان، وحكمه في الذرات، وألان له الصعاب، وأذل له الأسود، وجمع عليه القلوب، ونصبه قبلة للعارفين وكعبة للسالكين. (14)
.
ومن الجدير بالذكر أن نجد في كتب الرفاعية ما يفيد إدانة الرفاعي نفسه لهذا التصريف الذي يدعيه الرفاعيون لمشايخهم، فقد جاء في كتاب (الكليات الأحمدية) أن الشيخ أحمد الرفاعي رحمه الله قال: «قال بعض صوفية خراسان أن روحانية بن شهريار تتصرف في ترتيب جموع الصوفية: ذلك لم يكن إلا لله الوهاب الفعال. إن تصرف الروح لا يصح لمخلوق. (15)
.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر : (1) ((الفجر المنير)) (ص 20)، ((قلادة الجواهر)) 147) – 148)، ((طبقات الشعراني)) 1) / 143).
(2) ((الفجر المنير)) (ص (13، ((قلادة الجواهر)) 143) – 144) .
(3) ((الفجر المنير)) (ص (19، ((طبقات الشعراني)) 1) / 142) .
(4) ((الفجر المنير)) (ص (19، ((طبقات الشعراني)) 1) / 142) .
(5) ((إرشاد المسلمين)) (ص15) .
(6) ((إرشاد المسلمين)) (ص10).
(7) ((قلادة الجواهر)) (ص92). .
(8) ((قلادة الجواهر)) (ص102). وجبل قاف يعتقد الصوفية بوجوده وفيه أناس يعبدون الله لم يعصوه ولا لمرة واحدة .
(9) ((قلادة الجواهر)) (ص337)، ((لطائف المنن)) و((الأخلاق في التحدث بنعمة الله على الإطلاق)) (ص 485) للشعراني ط: عالم الفكر - مصر .
(10) ((قلادة الجواهر)) (ص80 ).
(11) ((تنوير الأبصار)) (ص 34)، ((قلادة الجواهر)) 333) – 334)، ((إرشاد المسلمين)) (ص97)، ((التاريخ الأوحد)) (ص(63، ((جامع كرامات الأولياء)) (1 /(237، ((روضة الناظرين)) (ص(86
(12) ((روضة الناظرين)) للوتري (ص86).
(13) ((روضة الناظرين)) للوتري (ص21)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2 / 268).
(14) ((إرشاد المسلمين)) ( 13 – (14 وكذلك أنظر (ص17) .
(15) ((الكليات الأحمدية)) (ص117)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق