الصوفية فرقة تظاهرت بالزهد والبعد عن ملذات الدنيا، وتداخلت طريقتهم مع فلسفات هندية وفارسية ويونانية.
قيل: إن تسمية الصوفية جاءت من رجل يقال له صوفة واسمه "الغوث بن مر" ظهر في العصر الجاهلي، وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي.
وذهب البيروني إلى أن الصوفية إنما هي اشتقاق من سوفيا اليونانية التي تعني الحكمة، وهذا رأي يدعم موقف القائلين بأن التصوف هو وليد الفلسفة الأفلاطونية.
وقيل: الصوفية من الصوف؛ لاشتهارهم بلبسه.
أهم عقائد الصوفية أ- عقيدتهم في الله عز وجل:
يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى منها الحلول كما هو مذهب الحلاج، ومنها "وحدة الوجود" حيث لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وهذه هي العقيدة التي انتشرت منذ القرن الثالث وإلى يومنا هذا، وأطبق عليها أخيرًا كل أعلام التصوف مثل ابن عربي وابن سبعين.
ب- عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:
هناك عقائد شتى؛ فمنهم من يعتقد أن علماءهم تفوقوا على الأنبياء في العلم والمنزلة, ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش, وأن السموات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره.
ج- عقيدتهم في الأولياء:
يفضلونهم على الأنبياء, وعامتهم يجعل الولي مساويًا لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون.
د- عقيدتهم في الجنة والنار:
يعتقدون أن طلب الجنة منقصة عظيمة, وأنه لا يجوز للولي أن يسعى إليها, وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء المزعوم في الله, والاطلاع على الغيب والتصريف في الكون, هذه هي جنة الصوفي.
وأما النار فيعتقدون أن الخوف منها لا يليق؛ لأن الخوف طبع العبيد.
هـ- اعتقادهم في إبليس وفرعون:
يعتقد عامة الصوفية أنه أكمل العباد وأفضلهم توحيدًا؛ لأنه لم يسجد إلا لله بزعمهم, وكذلك فرعون عندهم أفضل الموحِّدين لأنه قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]، فعرف الحقيقة؛ لأن كل موجود -في زعمهم- هو الله.
عبادات الصوفية
يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام, وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة؛ لذلك فإنّ لهم عبادات مخصوصة، ويعتقدون أن الله أسقط التكاليف عن خواصهم.
الطرق الصوفية 1- القادرية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني (470-561هـ) المدفون في بغداد، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرك به.
2- الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي من بني رفاعة قبيلة من العرب, والمتوفى سنة 580هـ, وجماعته يستخدمون السيوف والحراب في إثبات الكرامات, انتشرت طريقته في غرب أسيا
3- الأحمدية: تنسب إلى أحمد البدوي أكبر أولياء مصر عند الصوفية (596-634هـ)، ولد بفاس, حج ورحل إلى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, وأتباعه منتشرون في جميع أرجاء مصر ولهم فيها فروع، كالبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعبية, وشارتهم العمامة الحمراء.
4- الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي (623-676هـ).
5- الأكبرية: تنسب إلى شيخهم الأكبر محيي الدين بن عربي, وتقوم طريقته على الصمت والعزلة والجوع والسهر.
6- الشاذلية: تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي (593-656هـ)، ولد بقرية مرسية, وانتقل إلى تونس, انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب, وفي مراكش وغرب الجزائر وفي شمال إفريقيا وغربها بعامة.
7- البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني, وقد كان لهذه الطريقة دور بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول, وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.
8- المولوية: أنشأها الفارسي جلال الدين الرومي المتوفي سنة 672هـ والمدفون بقونية, يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية, ولم يبق لهم هذه الأيام إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب, وفي بعض أقطار المشرق.
9- النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه بقشبند (618-791هـ) وهي طريقة سهلة كالشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.
10- الملامتية: مؤسسها أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار توفي سنة 271هـ, وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثًا بمظهر الإباحية والاستهتار، وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
11- التيجانية: تنسب إلى أحمد بن محمد بن المختار التيجاني المولود سنة (1150هـ/ 1737م), ونسبته إلى بلدة تسمى (بني توجين) وهي قرية من قرى البربر في المغرب, وينسب نفسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هي عادة كل من أسَّس طريقة صوفية.
ادّعى التيجاني أنه خاتم الأولياء جميعًا، و"الغوث الأكبر" في حياته وبعد مماته, وأن أزواج الأولياء منذ آدم وإلى آخر وليٍّ لا يأتيها الفتح والعلم الربّاني إلا بواسطته هو, وأنه أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعه, وأن الرسول أعطاه ذكرًا يسمى صلاة الفاتح، يفضلُ أيَّ ذكرٍ قُرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن.
وقد ألّف أحد تلاميذه ويُدعى علي حرازم كتابًا في فضل شيخه وكراماته وأخلاقه وأذكاره وأحواله وطريقته، سمّاه "جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني".
أهم شخصيات الصوفية التاريخية
1- الحلاج: حسين بن منصور الحلاج، عاش في العصر العباسي, ولد في بلدة الطور قرب مدينة البيضاء في بلاد فارس سنة 857م، وصلب سنة 922م في عهد الخليفة المقتدر بالله؛ لآرائه الشركية. ويعدُّ الحلاج أشهر الحلوليين والاتحاديين.
2- ابن عربي: يلقبه الصوفيون "بالشيخ الأكبر"، ولد سنة (560هـ/ 1165م)، وتوفي سنة (638هـ/ 1240م)، وصاحب مؤلفات عديدة أهمها: روح القدس, الفتوحات المكيّة, نصوص الحكم.
وهو رئيس مدرسة "وحدة الوجود", يعتبر نفسه خاتم الأولياء, ولد بالأندلس, ورحل إلى مصر، وحجّ وزار بغداد, واستقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها إلى الآن قبر يُزار, وله كتب يقول البعض إنها تصل إلى 400 كتاب ورسالة، فيما يزال بعضها مخطوطًا.
3- أبو يزيد البسطامي المتوفى سنة 243هـ وقيل 261هـ, كان جدُّه مجوسيًّا، وأبوه من أتباع زرادشت, وهو صاحب العبارة الشهيرة (خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله).
4- ابن الفارض (566- 632هـ): هو أبو حفص عمر بن علي الحموي الأصل، المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود.
5- رابعة العدوية.
6- جلال الدين الرومي.
أبرز الشخصيات الصوفية المعاصرة
1- حازم أبو غزالة مواليد 1933م, يقيم في الأردن ويدير جمعية دار القرآن الكريم التي تأسست سنة 1964م, وقد نشرت صحيفة البلاد الأردنية بتاريخ 30/10/2002م مقابلة مطولة معه، أشار فيها إلى أنه كان يتردد على الزوايا الصوفية في نابلس بفلسطين التي تنحدر منها، وقد درس الشريعة في سوريا, ومن أساتذته عبد القادر عيسى الحلبي، ومحمد الهاشمي التلمساني.
وهو شيخ الطريقة القادرية الشاذلية, وقد ذكر في المقابلة أن أتباعه في العالم يقدرون بعشرة ملايين صوفي في سوريا والعراق وتركيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا ودول المغرب وأمريكا وهولندا والدنمارك وتايلاند... وغيرها، وله أكثر من أربعين كتابًا.
2- علي الجفري: يمني كان يقيم في مصر، ويقيم الآن في السعودية, وله دروس في بعض الفضائيات يجاهر فيها بعقيدته الصوفية، ويقول: إن له مذهبًا صوفيًّا في منطقة حضرموت اليمنية.
الصلة بين التصوف والتشيع
المطلع على حقيقة مذاهب الصوفية, وعلى حقائق مذاهب التشيع يجد أن الفرقتين تنبعان من أصل واحد تقريبًا, ويهدفان في النهاية إلى غاية واحدة, وثمة أوجه تلاقٍ كثيرة بين التصوف والتشيع؛ مما حدا ببعض العلماء اعتبارهما وجهين لعملة واحدة.
وأهم أوجه التلاقي هي:
1- ادعاء العلوم الخاصة:
حيث يدّعي الشيعة أن عندهم علومًا خاصة, وينسبونها تارة إلى الإمام علي بن أبي طالب t, وتارة إلى الأئمة من أولاد علي وفاطمة، ويدّعون أن هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب ولا يخطئون ولا ينسون, ولا يستطيع أحد فهم الإسلام إلا على طريقتهم.
ودرج المتصوفة على المنوال نفسه، حيث احتقروا ما عند المسلمين من علم، وافتخروا بأن لديهم علومًا لا يطلع عليها إلا هم, حيث قالوا: "خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله"، كناية عن تفوقهم على أنبياء الله.
وجعل المتصوفة مصدر علومهم الخاصة التأويل الباطني للقرآن والحديث, حيث يزعمون تارة أنهم تلقوا هذا التأويل من الله, وتارة يزعمون أنه من الملك وأخرى بالإلهام.
2- الإمامة الشيعية والولاية الصوفية:
بني مذهب التشيع على أن الأئمة أناس مختارون من الله لقيادة الأمة, واعتبروهم معصومين، وكذلك الصوفية أخذوا هذه العقائد وأطلقوها على من سموهم بالأولياء، وجعلوهم متصرفين في الكون، وأن مقامهم لا يبلغه الأنبياء والملائكة.
3- القول بأن للدين ظاهرًا وباطنًا:
واتفق الشيعة والصوفية أيضًا على الزعم بأن للدين ظاهرًا وباطنًا: ظاهرًا قالوا يفهمه العامّة، وباطنًا عندهم هو العلم الحقيقي المراد من النص, وهذا لا يفهمه ولا يعلمه إلا الأئمة والأولياء.
4- تقديس القبور وزيارة المشاهد:
الشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور والمساجد عليها في الإسلام، وعظموا قبور أئمتهم, وكذلك جاء المتصوفة فجعلوا أهم مشاعرهم هو زيارة القبور وبناء الأضرحة, والطواف بها والتبرك بأحجارها، والاستغاثة بالأموات.
5- العمل على هدم الدولة الإسلامية:
فكما كان للشيعيَّيْن الطوسي وابن العلقمي الدور الكبير في هدم دولة الخلافة الإسلامية العباسية, كان لبعض أقطاب التصوف الدور البارز في دعم الدول الباطنية كالعبيدية الفاطمية ودولة القرامطة، وعلى رأس هؤلاء الحلاَّج.
أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية:
- الإمام الشافعي: أدرك بدايات التصوف وكان أكثر العلماء والأئمة إنكارًا عليهم, وقد كان مما قاله في هذا الصدد: "لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".
- الإمام أحمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد، فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات.. قال الإمام أحمد: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون، وحذر من مجالسة الحارث. وقال لصاحبٍ له: لا أرى لك أن تجالسه.
- الإمام ابن الجوزي: كتب كتابًا سماه "تلبيس إبليس"، خصَّ الصوفية بمعظم فصوله، وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.
- شيخ الإسلام ابن تيمية: كان من أعظم الناس بيانًا لحقيقة التصوف, وتتبعًا لأقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين, فتعقب أقوالهم وفضح باطنهم، وحذر الأمة من شرورهم.
وختامًا..
إن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحراف عن منهج الزهد الذي يحضُّ الإسلام سُلوكَ سبيله، والمقترن بالعلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين؛ ولذا رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة, ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات الهندية واليونانية والرهبانية النصرانية في العصور المتأخرة، وتفاقم الأمر عندما أصبحت الصوفية تجارة للمشعوذين والدجالين ممَّن قلَّتْ بضاعتهم في العلم، وقصر سعيهم عن الكسب الحلال.
وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك، فحاولوا أن يُشوِّهوا الإسلام من الداخل من خلال التصوف، ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد التي يمتاز بها الإسلام، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية؛ حتى لا تقوم لهم قائمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق