اتخاذ القبور مساجد من هدي اليهودوالنصارى
لا لبس ولا إشكال في أن اتخاذ القبور مساجد من هدي اليهود والنصارى، وبذلك صرح النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان وغيرهما:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت: " فلولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً " (1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (2)
وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه وهو يقول: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، تقول عائشة رضي الله عنها: " يحذر ما صنعوا)) (3)
وعنها رضي الله عنها أيضاً قالت: لما كان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية، وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه: فقال: ((أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)). (4)
هذه أربعة أحاديث مخرجة في البخاري ومسلم تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم يلعن اليهود والنصارى بسبب أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، فهي تدل لما ترجمنا له من اتخاذ القبور مساجد والبناء عليها وتعظيمها من هدي اليهود والنصارى، وأنهم استحقوا على فعلهم ذلك اللعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الإمام الليث بن سعد رحمه الله كما في مختصر اختلاف الفقهاء للجصاص (1/407): " بنيان القبور ليس من حال المسلمين، وإنما هو من حال النصارى " بواسطة التعليق على كتاب البناء على القبور للمعلمي
النهي عن التشبه باليهود والنصارى
إذا ثبت عندنا أن البناء على القبور واتخاذها مساجد أنه من هدي اليهود والنصارى، فاعلم أننا منهيون عن مشابهتهم نهياً مؤكداً يلحق المتشبه بهم بأولئك الكافرين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ[البقرة: 120]، وقد دلت السنة كذلك على تحريم التشبه باليهود والنصارى.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) (1)
وفي سنن أبي داوود والحاكم من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)). (2)
ولكن برغم هذا التحذير من مشابهة أهل الكتاب إلا أن السنة الكونية قاضية بوقوع ذلك من هذه الأمة كما يتبين من هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي رحمه الله وأحمد من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر ! إنها السنن ! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [ الأعراف:138] لتركبن سنن من كان قبلكم)). (3)
وهذا هو الذي حصل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تشبه القوم باليهود والنصارى وتركوا سنة نبيهم، ثم ذهبوا ينصبون الشبهات لتبرير فعلهم، نسأل الله أن يهدينا وإياهم، وأما أهل العلم فقد فهموا تلك الأحاديث على ما يليق بعلمهم وفضلهم، وبينوها للناس كما أوجب الله عليهم، وحذروا مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): " هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده، فتصوير صور الآدميين يحرم وبناء المساجد على القبور بانفراده يحرم، كما دلت نصوص أخرى يأتي ذكر بعضها، قال: والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرت أم حبيبة وأم سلمة، كانت على الحيطان ونحوها ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة الأوثان، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم وهو من الكبائر، وفاعله من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره، وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى ". (4)
وقال الحافظ ابن حجر: " وكأنه علم أنه مرتحل من ذلك المرض، فخاف أن يعظم قبره، كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من فعل فعلهم ".
الرافضة ..هم أول من أحدث المشاهد المعظمة في الملة الإسلامية والغلوا في أصحابها
مر بنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه والسلف الصالح في القرون المشهود لها بالخير، كيف كانت قبورهم وكيف كان هديهم في وضع المقابر، وكيف كانوا يبادرون إلى إنكار كل محدث ولو كان صغيراً، مما يؤدي إلى الانحراف عن ذلك المنهج، فكانوا يطمسون ما ارتفع من القبور، وينكرون على من خالف في ذلك، ويهدمون ما بني في المقابر من أبنية، واستمر ذلك الوضع إلى أواخر القرن الثالث، حيث ضعفت سلطة الخلفاء العباسيين وقوي النفوذ الرافضي والباطني، وعند ذلك أحدثت المشاهد على القبور، وانفتح هذا الباب الكبير من الشر على أمة الإسلام.
وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فقال:" ولم يكن في العصور المفضلة " مشاهد " على القبور، وإنما كثر بعد ذلك في دولة بني بُوَيْه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بُوَيْه من الموافقة لهم على بعض ذلك، ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم، فبنوا المشاهد المكذوبة كمشهد علي رضي الله عنه وأمثاله " وقال في موضع آخر:
" وظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد، وتعطيل المساجد..... ورووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم (ابن النعمان) كتاباً في (مناسك المشاهد) وكذبوا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته أكاذيب بدلوا بها دينه، وغيروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين الشرك والكذب ". (1)
صدق شيخ الإسلام رحمه الله وأهل التاريخ والآثار قد أقاموا البراهين على صدق ما يقول، فهذه الدكتورة المصرية سعاد ماهر – أستاذة العمارة الإسلامية بجامعة القاهرة – في موسوعتها الضخمة (مساجد مصر وأوليائها الصالحون) تثبت أن أوائل الأضرحة التي شيدت عليها المشاهد هي أضرحة الشيعة الرافضة، فبعد أن أثبتت أن أول ضريح في الإسلام أقيمت عليه قبة عرفت بقبة الصليبية، وأنها بنيت عام 284 هـ على قبر الخليفة المنتصر العباسي، ونقلت عن الطبري أن أم الخليفة العباسي المنتصر استأذنت في بناء ضريح منفصل لولدها فأذن لها (إذ كانت العادة قبل ذلك أن يدفن الخليفة في قصره) وتلك الأم هي أم ولد نصرانية رومية، فهي بحكم عقيدتها وما تربت عليه من تعظيم القبور طلبت ذلك، وأجيبت إليه عندما تمكن نساء القصر من تسيير الحياة، وغلبن على الخلفاء في حال ضعفهم وانصرافهم إلى شهواتهم وملذاتهم، إذن فالتأثير النصراني ظاهر في إنشاء هذا المشهد.
قالت: " ويليها من حيث التاريخ ضريح إسماعيل الساماني المبني سنة 296هـ في مدينة بخارى، ثم ضريح الإمام علي في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ ثم ضريح محمد بن موسى في مدينة قم بإيران سنة 366هـ، ثم ضريح السبع بنات في الفسطاط سنة 400هـ (ج1 ص 46) وهذا الترتيب قد ذكره غير واحد من المستشرقين والباحثين في الآثار والعمارة الإسلامية.
وكل الذين ذكَرَتْهم إما متأثرون بالرافضة كالخليفة العباسي المنتصر مع تأثير أمه النصرانية في ذلك، أو هم في دولة شيعية، وإن قيل إن إسماعيل المذكور رجع إلى السنة، فالعبرة بالجو العام وليس بالفرد المتوفى الذي لم يعط له اختيار بحكم البيئة، وهكذا الدولة الحمدانية دولة رافضية معروفة وأهل قم معروفون بالرفض ومدينتهم من المدن المقدسة عند الرافضة، وضريح السبع بنات في عصر الدولة الفاطمية الباطنية، فثبت بهذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله من أن الشيعة هم الذين جلبوا القبورية إلى أمة الإسلام، وفتحوا باب الشرك والوثنية فيها،... وفي اليمن ابتدأت المشاهد المعظمة ودفن الأموات في المساجد في عهد الدولة الصليحية الإسماعيلية الباطنية، التي هي امتداد لدولة الفاطميين في مصر، فمن أوائل المشاهد هنا مشهد الرأسين في زبيد، ومشهد الصليحي علي بن محمد في صنعاء، ومشهد الملكة السيدة بنت أحمد في جبلة.
فهذه قصة انتشار المشاهد في اليمن وبداية القبورية الوثنية كانت على أيدي أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أنشأ أول فرقة شيعية غالية في الإسلام تؤله البشر، وأحفاد ميمون القداح اليهودي كذلك الذي أنشأ الدولة الإسماعيلية الباطنية ذات الأصول اليهودية والتي عرفت باسم الدولة الفاطمية، فمن يا ترى ينبغي له أن يكون قدوتنا في ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه من أصحابه، والذين اتبعوهم بإحسان من أئمة الدين وعلماء الملة أم اليهود الظاهرون واليهود المستترون كابن سبأ وميمون القـداح ومن سـلك سبيلهم الغالي ؟!! بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا[الكهف:50]
منقـــــــول....الدررالسنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق