التَّصريح في الردّ على توفيق عمروني في بيان التَّوضيح، وما تضمنه من التلبيس و المغالطة و الكذب الصريح

الحمد لله ربّ العالمين، وليّ الصَّادِقين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ والصلاة والسلام على المبعوث بالحقّ المبين، وناصر الدين المتين، وآله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: فلقد فوجئت ببيان التوضيح، الذي خطّه الأخ توفيق عمروني –أصلحه الله – في ردّه عليَّ فيما يتعلّق بجلسة بعض أعضاء دار الفضيلة بعبد المالك رمضاني سرًّا؛ واستغربت جرأته في نفي هذه الجلسة رغم علم جميع الأعضاء دون استثناء أحد –كما سيأتي بيانه- إلا من كابر؛ لكنّه دلّس ولبّس في بيانه، وأنّه «ذكر أشياء ليست مطابقة للواقع» تمامًا -مع الأسف الشديد-. والحقّ أنّني ما كنت لأردّ عليه، لولا أن طلب منّي من لا يسعني ردّ طلبه من المشايخ، والإخوة الكرام أن أجيب عنه؛ لا سيما بعد أن استنكفت عن الردّ على خالد حمودة، والذي قد تبيّن كذبه، وجهله، وفجوره في الخصومة، وسوء أدبه وأخلاقه؛ وقد نصحني أيضا بالإعراض عنه، وبعدم الردّ عليه بعضُ شيوخنا الأفاضل جزاه الله خير الجزاء، وبارك الله في عمره وجهوده؛ فتوافق رأيي مع نصيحته.
لكنّنا نحن أبناء الزّمان، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، ولكلّ زمان دولة ورجال؛ لذا رأيت –استثناءً- أن أوضِّح ما وقع في بيان الأخ توفيق من الكذب والتلبيس، والمغالطة والتدليس؛ حتى يكون المرء على بيّنة من أمره، وعلى صورة واضحة ممّا جرى، وعلى حقيقة ما وقع؛ وسأقتصر في ذلك على ما هو أهمّ؛ أمّا ما لا طائل من ورائه فسأُعرِض عنه حرصًا على الاختصار.
ولتوضيح ذلك قسّمت هذا الردّ إلى ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في بيان جلسة عبد المالك سرًّا مع الأخ توفيق ومن حضر معه.
المطلب الثاني: في توضيح ملابسات جلسة عبد المالك مع الأخ توفيق ومن حضر معه.
المطلب الثالث: في توضيحات وتعليقات على بعض ما ورد في بيان التوضيح.
فأقول، وبالله أستعين:
المطلب الأول
في بيان جلسة عبد المالك سرًّا مع الأخ توفيق ومن حضر معه
إنّ ما ذكره الأخ توفيق في قضية لقائهم بعبد المالك بدار الفضيلة، وإنكاره أن يكون ذلك سرًّا لمثير للاستغراب، ومهيّج للاستعجاب؛ إذ إنّ هذا الأمر يعلمه جميع الأعضاء دون استثناء أحد، وربّما يحاول البعض إنكاره وردّه، أو كتمانه، وستره-، لكنّه عند الله مدوّنٌ؛ لاسيما، وقد قال الأخ توفيق: «لم يكن هذا اللقاء سرًّا أبدا»؛ كذا نكرة في سياق النفي، مؤكّدة بلفظ: «أبدًا» الذي يقتضي النفي قطعًا دون أدنى شكّ، أو قبول تأويل؛ ثم يستغرب –كذبًا- ويقول: «فلا أدري ما وجه قول الشيخ جمعة: إنّ الجلسة كانت سرًّا ودون علم بقية الأعضاء». بل الشيخ جمعة أولى من يستغرب، ويتعجّب -أخي توفيق- من جرأتك هذه على الكذب دون أدنى خجل، وكأنّك تكتب في غاب، أو تخاطب قومًا غرباء؛ لا تعرفهم، ولا يعرفونك؛ ولم تجلس معهم يومًا قطّ، ولا هم جلسوا معك.
ولا أُرَاني – أخي توفيق- أقول لك إلا كما قال عَمْرو بن العاص لمسيلمة الكذّاب: «والله، إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك تكذب» «تاريخ دمشق» (46/154) «البداية والنهاية» (6/359) «تفسير ابن كثير» (4/356).
وأذكّرك –أخي الكريم- بما قاله أبو سفيان رضي الله عنه ، بعدما دعاه هرقل، يسأله عن النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال لترجمانه: «قُلْ لهم (يعني من كان مع أبي سفيان): إنّي سائل هذا عن هذا الرّجل، فإنْ كذَبني فكذّبوه». فقال أبو سفيان: «فوالله، لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كَذِبًا لكذبت عنه» رواه البخاري (7) ومسلم (1773).
فانظر إلى خُلُقِ أبي سفيان رضي الله عنه، ومروءته -في جاهليته وقبل إسلامه- يستحيي من أن يؤثر، ويسجّل عليه كذبٌ؛ مع قيام المقتضي والدافع للكذب، وهو عداوته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- آنذاك.
فما فائدة أن تخلّص نفسك ممّا اتّهمت به، وترضى أن تتّهم، وتوصف بالكذب؟! وقد قال تعالى: (بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فواأسفاه! على هذا الحال، والتدنّي العلميّ الذي وصلتَ إليه -أخي توفيق-؟!
أمَا كان يسعك الاعتراف بالحقّ، ويسجّل عليك الإنصاف، بدلًا من أن يسجّل عليك الكذب.
فقولك: «فعلى المرء أن يتكلّم بعلم وعدل» أقول: ولا تنسَ أيضا أنّ على المرء أن يتكلّم بالصّدق المنافي للكذب.
ألا فاتّق الله –أخي توفيق-، واعلم أنّه لا ينجي العبد إلا الصدق، وأنّ من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه؛ ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من سخطه في رضاه.
وأجيبك على ما ذكرت من وجوه:
أوّلها: أنّنا نقسم بأغلظ الأيمان جَازِمِين غير حَانِثِين على أنّ هذا كذب محض، ليس له أساس من الصحّة والصدق. وانظر إلى تلبيسك ومغالطتك، إذ تقول: «فهبْ أنّهم جلسوا دون أن تعلم بها أنت، أو الشيخ أزهر، فكان ما ذا؟». فتُوهم الناس أنّي والشيخ أزهر فقط اللَّذَيْن لم يُعلمَا. فقليلًا من الصّدق، وكفاك من المراوغة والمغالطة! فإنّ كلّ شيء عند الله مسجّل. وإنّ الله تعالى ليعامل عباده بحسب مقاصدهم.
الوجه الثاني: أنّنا نحن أعضاء المجمّع الذين لم يُعْلموا بتلك الجلسة، استنكرنا عليكم -يوم اجتماعنا- صنيعكم هذا؛ أعني لقاءكم بعبدالمالك سرًّا؛ فَلِمَ لمْ تنكروه يومئذ، بل أقررتموه، وقدّمتم بعض الأعذار؛ وهي أولى أن يعذر لها؟!
الوجه الثالث: أنّ قولك «لم يكن هذا اللقاء سرًّا أبدا، بل كان معلومًا لدى الجميع أنّنا وددنا اللقاء بعبد المالك رمضاني في رمضان سنة 1432هـ في المدينة أو في مكّة ...» من التلبيس، والمغالطة، والتدليس ما لا يخفى؛ إذ جمعت بين قضيتين مختلفتين زمانًا، وعقدت بينهما، وجعلتهما قضية واحدة، لتتخلّص من التّهمة؛ وبيان ذلك: أنّ لقاءنا في ليلة 25 رمضان سنة 1432هـ بمكّة كان بتوافق الجميع، وحرّرنا سويًّا الرسالة الموجّهة لعبد المالك –والمثبتة في نهاية بيانك-.
ثمّ امتدّت الأيام، وتعاقبت الأعوام، وَحَصَل ما حصل، وأخذنا موقفًا موحّدًا من عبد المالك، بعدما رفض الجلوس مع إخوانه، وامتنع من الاستجابة لنصائحهم؛ وأظهر رأيه، ومنهجه المخالف؛ لا سيما، وقد كان -وقتئذ- يتردّد على الجزائر من حين إلى آخر، يلقي الدروس في بعض المساجد، ويجتمع في البيوت مع أصحابه؛ ثم بعدها انعقد لقاؤكم به سنة 1436هـ/2015م؛ يعني خمس سنوات بعد تحرير الرسالة؛ وهل يُعْقل أن يبقى موعدٌ قائمًا بعد خمس سنوات؟!
فأدخلت هذا في هذا، وعقدت بينهما، وخرجت بتلك القصّة المفتعلة؛ وهذا من التلفيق يا أخ توفيق، فعليك بالصِّدق حتى لا توصف بالصّفيق، وتحرم التوفيق!
وكذا فيما زعمته في قولك: «بدليل أنّي لمّا ذكرت ذلك للمشايخ بادرني الشيخ أزهر، بقوله: إنّه لن يجلس معكم...»؛ فهو أيضا من التلبيس والتلفيق؛ ويمكنك مراجعة الشيخ أزهر في الموضوع، فهو لا يزال على قيد الحياة، ومتّعه الله بالصحّة والعافية؛ بل نفاه في صوتية له.
الوجه الرابع: أنّ من الأدلّة على سرّية مجلسكم أنّك نَقَلت قولي: «وذلك لأنّ عبد المالك اشترط عليهم ألاّ يجلس مع جماعة الإصلاح بحضور الأربعة: الشيخ فركوس، والشيخ عبد الغني، والشيخ أزهر، وعبد المجيد»، وعلّقت عليه فقلت: «كيف علمت ذلك يا شيخ!! ونحن لم نسمع منه هذا الشرط».
وجوابه: أنّي أتعجب من إنكارك لهذا الأمر الذي سمعناه جميعا، أم تتناكر وتتجاهل؟! أهذا المستوى الذي بلغته أخي توفيق؟! ولقد سمعناها من قَبْل، وسمعناه مِنْ فَمِ الشيخ عزّ الدين يوم اجتماعنا، حيث نقله عن عبد المالك؛ ومن المحال ألاّ تكون على علم به؛ لاسيما وقد صدر من أقرب الناس إليك في المجمّع، نقلا عن عبد المالك لمّا التقيتم به؛ فلماذا التناكر؟!
وأذكّرك –إن كنت صادقا ومنصفا- وأنا أستحضر ذلك المجلس وصورته ككتابة هذه الأسطر: أنّ الشيخ عزّ الدين نقل كلام عبد المالك السابق، وذكر المشايخ الثلاثة: الشيخ فركوس، والشيخ عبد الغني، والشيخ أزهر؛ وَنَسِيَني أنا، ثم تذكّر وقال: والرابع -وأشار بيده إليَّ وهو يبتسم- فضيلة الدكتور. فأجبته بقولي: لا يشرّفني الجلوس معه. ثم قلتُ لكم: هل صار عبد المالك أفضل عندكم منّا نحن الأربعة؟! ألا كان الأجدر بكم أنّكم أنتم من تملون الشروط على عبد المالك، وليس هو من يملي الشروط عليكم.
وأزيدكم تقريرًا وتأكيدًا، أنّ عبد المالك كان يقول في أوّل الأمر: «لا أجلس معهم ما دام هؤلاء الثلاثة موجودين» وسمّاهم: الشيخ فركوس، والشيخ عبد الغني، وكاتب الأسطر. ولم يكن يومئذ يذكر الشيخ أزهر، ولما قام هذا الأخير –أعني الشيخ أزهر- بالردّ عليه، والتحذير منه، رَبَّعَ به، وأضافه إلى القائمة، وصار يذكر الأربعة: الشيخ فركوس، والشيخ عبد الغني، والشيخ أزهر، وأنا.
الوجه الخامس: أنّ قولك: «وقد حضرها كلّ من الشيخ عزّ الدين رمضاني، والشيخ رضا بوشامة، والشيخ عثمان عيسي، وأنا» ليس دليلًا على عدم سرّية الجلسة، إذ إنّ هؤلاء المذكورين هم مَن أملى عبدالمالك أسماءهم عليكم بواسطة فريد عزّوق، ورضي بهم لأن يَجلس معهم، ورضيتم بذلك.
الوجه السادس: وممّا يدلّ على تلبيسك –أخي توفيق- تناقضك في كلامك؛ فأنت تقول: «ونحن ارتأينا أن نجلس معه؛ لأنّه ليس من شرط النصيحة والمحاورة أنّ نجلس جميعا مع المنصوح».
فبعدما نفيتَ قطعًا وجزمًا عدم علم بقية الأعضاء بالجلسة، فنراك هنا تُثبت أنّكم رأيتم وارتأيتم أن تجلسوا دون البقية، يعني عدم إخبارهم، وإشعارهم؛ وتبرّر وتعلّل لذلك، فتقول: «لأنّه ليس من شرط النصيحة والمحاورة أن نجلس جميعا مع المنصوح». وهذه من قرائن الأحوال في معرفة الكذب؛ أن يقول أحد قولًا في موضع ثم يناقضه في موضع آخر.
ويؤكّده هذا ويقرّره:
الوجه السابع: أنّك تناقضت مع أقرب الناس إليك في المجمع، وهو رئيسه الشيخ عزّ الدين، إذ قال في بيانه: «كلّ ما في الأمر أنّنا تأخّرنا عن الإدلاء بما جرى في تلك الجلسة لوجهة نظر ارتأيناها نابعة عن اجتهاد وقصد حسن». وأنت تقول: «وفي أوّل جلسة مع المشايخ أعقبت هذا اللقاء، وقد حضرها جميعهم والتي كانت بتاريخ: يوم السبت 20/6/1436هـ الموافق لـ 9/5/2015م، ذكر الشيخ عزّ الدين خلاصة عن ملابسات تلك الجلسة وما دار فيها» -وسيأتي التعليق عليها في موضعها.
فانظر – يرعاك الله- إلى تناقضك؛ وهو ما يفهمه العقلاء، وإن لم يك لهم أدنى علم بملابسات القضية؛ ولهذا علّق عليك أحد طلبة العلم الفضلاء، فقال: «كلام الشيخ عبد المجيد يوافق ما حكاه عزّ الدين الرمضاني، من التكتّم عمّا دار في المجلس، وعن خلاصة ما وقع وما جرى؛ وكلام توفيق يوهم أنّ مشايخ الإصلاح، اجتمعوا وخلصوا إلى نتيجة وأعلنوا؟! وأنّ تعقّب الشيخ عبد المجيد تعقّب ليس في محلّه؟!فمن نصدّق ومن نكذّب؟! إنْ صدّقنا توفيقًا، كذّبنا عزّ الدين الرّمضاني؟! وإنْ صدّقنا عزّ الدّين الرّمضاني كذّبنا توفيقًا؟!فليت شعري، أيّ فجور في الخصومة هذا الذي صرنا نراه؟!».
وأنا أجيبه بدلًا عنك –أخي توفيق، وإن كان الأخ الكريم طرح سؤاله من باب الإلزام- فأقول: نصدّق عزّ الدين، ونكذّب توفيقًا؛ لأنّ الشيخ عزّ الدين لمّا نشر البيان أقرّه توفيق، واحتفى به، ودافع عنه في بيانه، ولم ينكر تلك العبارة.
ثم أراك – أخي توفيق- تصرّ على كذبك، بذكر شبهة كبيت العنكبوت في الوهن، (وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت)، فتقول:
الوجه الثامن: «لا أدري ما سبب إصرار الشيخ عبد المجيد على وصف المجلس بالخفي، مع أنّه لو أريد للمجلس أن يكون خفيا لعقد في مكان آخر غير دار الفضيلة».
والجواب عنه من ثلاثة أوجه:
أولها: قولك: «لا أدري ما سبب إصرار الشيخ عبد المجيد على وصف المجلس بالخفي...» وأقول: لا أدري، ما سبب إصرار الأخ توفيق على الكذب، والمغالطة، وإخفاء الحقيقة؟!
الوجه الثاني: إنّك إذا كنت لا تدري، أو لا تَتَدَاري؛ فنحن ندري! فإنّكم لم تكونوا صادقين مع إخوانكم، الذين أعطوكم ثقتهم، وصفاء قلوبهم، وبسطوا إليكم أيديهم؛ فكنتم تتصرّفون في دار الفضيلة بأشياء دون علمهم، أو مشاورتهم، أو الرجوع إليهم؛ بمن فيهم شيخنا جميعًا الشيخ فركوس الذي يعتبر أعلمنا، وأعقلنا، وأحكمنا، وأظرفنا، وأكبرنا!
الوجه الثالث: قوله: «لَعُقِد في مكان آخر غير دار الفضيلة».
فأنا أتعجّب من هذا الاعتذار –أخي توفيق-! وإلاّ فأنا أسألك: أين عُقد اجتماعكم سرًّا مع مَن جاء إليكم على ظهر الشيخ أزهر، وجلستم معه لتستمعوا إلى ما عنده من المآخذ؟ ألم يك في دار الفضيلة؟! وهلا أعلمتم الشيخ أزهر بالموضوع ليقابله علنا بدلا من أن تنفردوا به؟!
وأين عُقِدَ اجتماعُكم سرًّا مع من جاء على حساب ظهري؛ وكيف طابت أنفسكم، وسمحتم لمنهجكم أن تستقبلوا، وتجلسوا مع من يغمز الشّيخ رَبيعًا، والشيخ فركوس، ويطعن في الشيخ عبد الغني، والشيخ أزهر، وكاتب الأسطر؛ ويدافع باستماتة عن عبد المالك وإبراهيم الرحيلي، الذي لا يكاد يفارق مجالسه، كلّما حلّ بالمدينة؛ كما يشهد بذلك أهل بلدته؟! ألم يكن في دار الفضيلة؟!
وأمّا ما أثرته –أخي توفيق- من جلوسي مع من ذكرتَ أسماءهم فإنّه من مغالطاتك، وتلبيساتك التي بَنيت عليها بيانك؛ فهو على جرف هار، فسينهار، وذلك بتوضيحه في الوجوه التالية:
الوجه الأول: في ملابسات جلوسي مع عبد المالك.
أمّا جلوسي مع عبد المالك: فأنت تعلم أنّه كان ذلك في طور مناصحته، وكان ذلك بطلب منه من أجل توضيح الخطاب الذي وجّه إليه، وكنت اتّصلت بك أنت شخصيًّا من المدينة، وأعلمتك بهذا اللّقاء، كما أعلمت أيضا غيرك من الأعضاء، وطلبت منك إشعار بقية الأعضاء بالموضوع حتى يرسلوا ما عندهم من الإشكالات لأطرحها عليه؛ ثم جلست معه في بيت أحد الإخوة، وليس كما زعمت أنّ ذلك كان في بيته. ولمّا رجعت من سفري ظننت أنّكم مهتمّون بالموضوع، وأنّه سيعقد مجلس في ذلك، لكن للأسف لم يكن ذلك؛ وكنتُ عاتبتكم يوم لقائنا على عدم اهتمامكم بهذه الجلسة، وما دار بيني وبين عبد المالك. فهذا الفرق بين جلوسي معه، وجلوسك معه؛ فلماذا هذه المغالطة؟!
الوجه الثاني: في ملابسات جلوسي مع بوبكر صديقي.
يزداد عجبي منك –أخي توفيق- على ذكرك لهذه القضايا، وأنت من أعلم الناس بها! كيف تخلّيت عن إنصافك، وأدبك؛ لتتستر بالمغالطة والتلبيس؛ فأنت تعلم قضية بوبكر صديقي، وأخبرتك بها، وأنّه جاءني يطلب لقاءًا معي ومع الشيخ فركوس بسبب كلام الشيخ عبد الغني والشيخ أزهر فيه؛ فكلّمت المشايخ واستشرتهم في الأمر، فوافقوا جميعا على اللقاء به؛ فلمّا راجعت صديقي، قال لي: أنا أستحيي من الشيخ عبد الغني، ولا استطيع أن أقابله وجهًا لوجه، فأقترح أن يكون لقاء معك بحضور فضيلة شيخنا؛ ثم بعدها نوسّع اللقاء مع البقية. فاستأذنت من الشيخ عبد الغني والشيخ أزهر، فقالا: لا مانع. فعقد اللقاء به في دار الفضيلة بإذنك وعلمك، وأنت من سلّم لي مفاتيح المكتب. فأين هي السرّية يا أخي توفيق؟!
وإذا استنكرت عليّ هذا، فهلا استنكرت على الشيخ عبد الغني عوسات الذي ذهب بنفسه إلى بجاية، وجلس معه؟!
الوجه الثالث: في ملابسات جلوسي مع عبد الغني يخلف.
أمّا جلوسي مع عبد الغني يخلف فلم يكن سرّا أيضا فقد طلب منّي لقاءًا معي ومع شيخنا فقط من أجل بعض المسائل المنهجية، فاستشرت شيخنا والشيخ عبد الغني والشيخ أزهر، فاقترح عليّ المشايخ أن تكون أول جلسة معك، ثم نوسّع بعدها اللقاء فجلست معه، برأي المشايخ، وبحضور بعض إخواننا، ولم تدم طويلا، كما زعمت –أخي توفيق- بل هو من الرجم بالغيب، وظنّي بك كأنّك كنت حاضرًا معنا مختفيًا. الحاصل: أنّي نصحته بزيارة المشايخ بالمدينة، والجلوس معهم، والاستماع إليهم، وبعد رجوعك نعقد معه لقاء موسّعا، فرتّبت له لقاء مع الشيخ عبد الله، والشيخ محمد؛ وفعلا سعى بعض إخواننا المقيمين بالمدينة لذلك وكلّموا الشيخ عبد الله والشيخ محمد، فوافقا على ذلك. ثم لم يحصل أي لقاء بهم؛ وهذا آخر عهدي بالرجل.
والحاصل: أنّه لم يدعني إلى وليمته، كما دعا إليها بعض أصحابك، وأصرّوا على الاستجابة؛ فإذا كان هناك مؤاخذة فكان الأولى بك أن توجّهها لهم لا أن تداريهم –كما هو المعهود عنك، للأسف- أمّا أنا فلله الحمد، كان لقائي به من أجل الدعوة، والرفق بالمخالف؛ ولم أنفرد في ذلك برأيي، والمشايخ الثلاثة وكذا الشيخ عبد الله، وغيرهم يشهدون على ذلك.
ثمّ أنا أوجّه لك أسئلة:
أين استنكارك على صاحبك الذي زار الحلبي في «فندق التوحيد» بمكة؟!
وأين استنكارك على الشيخ عزالدين وطيبي ورضا الذين زاروا مشهور حسن، وأبديتم إعجابكم به، وبتحقيقاته، وكلّمتني أنت شخصيًّا بهذا معجبًا به، وأنكرت عليك ذلك؟!
وما يحزّ في النفس كثيرًا استنكارك وتكذيبك لحرصك مع صاحبك على لقاء عبد المالك؟! الذي أثاره بالمدينة؛ فوالله لقد اتّصلت بك، وأقررت به؛ وأيضا لمّا طرح في الاجتماع ونفيته، طُلب منك تكذيب عبد المالك، وقيل لك: إمّا أن تكذّب، وإمّا أنّ التهمة لاصقة فيك. فأبيتَ أن تكذّب. فبدلا أن تكذّب عبد المالك، تستأسد في بيانك، وتطلق لسانك دون أدنى خجل، أو ورع من الكذب –أصلحك الله-؛ فاللّهمّ رحماك من التلوّن، والتلبيس، والمغالطة، والكذب.
المطلب الثاني:
في ملابسات جلسة عبد المالك مع الأخ توفيق ومن معه
يبذل –الأخ توفيق- قصارى جهده ليلبّس ويغالط عمّا دار في جلستهم مع عبد المالك في دار الفضيلة، وسأكشف هذه المغالطات، ورفع الإلباس في الوجوه التالية:
الوجه الأول: إنّ عبد المالك نشر صوتيتين، أماط فيهما اللثام عما دار في الجلسة، بعدما كان متكتِّما عليه؛ وممّا أثاره:
1- أنّ لقاءه بهم لم يكن من أجل تراجعه، بل لم تطرح أصلا في اللقاء.
2- أنّه تناول معهم قضايا خطيرة، وأن لقاءه بهم كان من أجل الدفاع عن المظلومين المتكلّم فيهم؛ كابن حنفية، وغيره.
3- تصريحه بأنّ بعضهم وافقه على ذلك
4- تصريحه بأنّ بعضهم طلب منه المسامحة.
5- أنّ اللقاء دار أيضا حول الشيخ أزهر.
6- تصريحه بأنهم جلسوا معه كالمتظلّمين.
وقد مضى على هذا أكثر من ثلاثة أشهر، والتزمت الصّمت، ولم تتكلّم، ولم تجب عليها –مع قيام المقتضي، وتوفّر الدواعي على الردّ؛ إذ لم يمنعك من ذلك مانع -؛ حتى الشيخ عزّ الدين سكت على هذا، ولم يعلّق في بيانه على الصّوتِيتَين إلا على مقولة عبد المالك، وقضية الشيخ أزهر؛ وهذا سكوت منكم؛ والسكوت في معرض الحاجة بيان؛ كما قال الشافعي؛ أي إذا سكت من كان قادرًا على الكلام، في معرض كانت الحاجة تقتضي أن يتكلّم، فإنّ سكوته يعتبر كالكلام والبيان، وكان دلالة على الموافقة.
فهذه المدّة كلّها، كنتَ كالأصمّ الأبكم، لا تحرّك ساكنا، ولا تطلق لسانا حتى أثرتها أنا؛ حينها ثارت مشاعرك، وتحرّكت داعيتك للردّ. ألا كان الأجدر بك –أخي توفيق- والأحرى أن تردّ على عبد المالك وقتئذ بدلًا من أن تردّ عليّ؟!
الوجه الثاني: أنّه ما تسرّب من اجتماعكم بعبد المالك هو قوله: إنّ الشيخ ربيعًا كذّاب، والشيخ عبيدًا مَافِيَا. وإنّي لأتعجّب منكم –والعجائب جمّة-، أنّه كيف سمحت لكم أنفسكم أنّ تتكتّموا على هذا المقولة الشنيعة، والكلمة الفظيعة طيلة سنتين وأكثر؛ والشيخ عزّ الدين يقول في بيانه: «كلّ ما في الأمر أنّنا تأخّرنا عن الإدلاء بما جرى في تلك الجلسة لوجهة نظر ارتأيناها نابعة عن اجتهاد وقصد حسن». هل تأخّركم عن الجواب عن هذا نابع عن اجتهاد وحسن نيّة؟ أم أنّ هذا الأمر يتعلّق بأعراض العلماء التي يجب الذبّ عنها في وقتها، ولا يجوز تأخير بيانها عن وقت الحاجة. لا سيما وأنت تقرّ بفظاعتها، حيث قلت: «إنّ هاتين الكلمتين هي أشدّ ما تفوّه بهما عبد المالك، فذكرهما يغني عن كلّ كلام آخر سمع منه».
فكيف تقرّ أنّها أشدّ ما تفوّه بهما عبد المالك، وتكتّمتم عنها هذه المدّة كلّها؟! وتقول -تناقضًا منك-: «كان مجلس صلح».
وحتّى لو اتّفقتم مع عبد المالك على كتمان ما دار بينكم في المجلس، والمحافظة على أمانة المجلس، فإنّ هذا الأمر الفظيع، والقول الشنيع مستثنى من الاتّفاق شرعًا، وخُلُقا، ومروءة؛ وأنّ بيانه يكون فرضًا، وإخراجه لا يعدّ نقضًا؛ إذ يتعلّق بأعراض العلماء التي لا يجب كتمانها، ولا السكوت عنها!
وأيضا، كيف يُسبّ الشيخان، وَيُطعن في أعراضهما؛ فيُرمى الشيخ ربيع بالكذب، والشيخ عبيد بالعصابة الإجرامية «مافيا»؛ كبُرت كلمة تخرج من فيه إن يقول إلا كذبًا؛ ووالله الذي لا إله غيره، لم يتفوّه بها من هو ألدّ الخصام لهما؛ لا الترابي، ولا القرضاوي، ولا الغنوشي، ولا الحلبي، ولا المأربي، ولا غيرهم، بل لم يتفوّه بها أحد؛ وأنت –ومن معك- أكّدتم، وجزمتم، وقطعتم بنسبتها إلى عبد المالك، وأنّها خرجت من فمه في ذلك المجلس؟! فكيف طابت أنفسكم، وسمحت ديانتكم، ورضيتم لأن تبقوا، وتكملوا معه الجلسة؟! ألَا كان الأجدر بكم أن تقفوا وقفة واحدة فتطردوه من مجلسكم، وتفضحوه عَلَنًا، ببيان أو نحوه، وأن تشكوه إلى فضيلة الشيخ العلَّامة عبد المحسن العباد –سلّمه الله- بدلًا من أن تكون كالميّت طيلة هذه المدّة المديدة، ثم تستيقظ من سباتك، وتفتح عينيك فلا ترى أمامك إلا هذا العبد الضعيف عبد المجيد، فتصدر فيه بيانًا، لتحفظ ماء وجهك.
ولكن لمّا كان الأمر يتعلّق بكم هرعتم وتسابقتم إلى زيارة الشيخين، تتودّدون إليهما لانتزاع التزكيات، وتقديم الأعذار والمبرّرات، وتشويه سمعة المشايخ بالأكاذيب والافتراءات. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فأين غيرتكم على الشيخين وقتئذ؟!
وأين دفاعكم عن الشيخين؟!
وأين انتسابكم إلى الشيخين؟!
وأين؟! وأين؟! وأين؟!.....
وأيضا، لمّا تسرّبت الكلمة –من غير اختياركم ورضاكم-، ونشرها الشيخ أزهر سنيقرة رادًّا على عبد المالك، أقمتم الدنيا عليه ولم تُقعِدوها، وأنكرتم عليه أشدّ الإنكار في الاجتماع.
وأيضا استنكرها عليه الشيخ عزّ الدين في مجلس مع الأئمّة أشدّ الاستنكار، حيث قال: «زد على ذلك أنه ليس كلّ ما يعرف ينقل، كالكلام في المجالس، كلّ حاجة تعرفها تنقلها ؟! هذا ما ينبغي هذا. في هذه الأيام الأخيرة، ما لا أقول لكم نقلوا شيئا في أجهزة التواصل هذه، ما كان ينبغي أن ينقل، شيء في غاية السرية، ومع ذلك نقله بعض الإخوة للأسف الشديد، وهؤلاء في الحقيقة لا يستحيون، أضرّوا بالدعوة أضروا بالدعوة أيما ضرر، هذه التي سرنا فيها عشر سنين، هذا أفسدها لنا في يوم، في يوم فسّدها علينا، لا داعي لأخبركم الحادثة، بعضكم يعرفها وبعضكم لا يعرفها، لكن أفسد. ماذا أمر هكذا خاص هكذا بين الدعاة، لماذا؟! ما الفائدة في نشره؟!».
وأيضا لمّا نشرها الشيخ أزهر، وتهاطلت عليه الشتائم، والطعون، والسباب في «منتديات الكلّ»، بل اتّهمه عبد المالك نفسه بالكذب، وبقي يتّهمه به طيلة تلك المدّة، التزمتم الصّمت أيضا، ولم تنطقوا ببنت شفة؛ وكنتُ -أنا شخصيًّا-، قد دعوتكم للدفاع عن الشيخ أزهر -كما تعلم هذا جيّدا-، والوقوف معه، ولا ينبغي لكم خذلانه، وذكّرتكم بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه». ودعوتكم أيضا للإدلاء بشهادتكم، وذكّرتكم بقوله تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)، فلم تحرّكوا ساكنا، بل عملتم على إسكان المتحرّك؛ كما هو دأبكم.
وعلى هذا، فقولك: «إنّ هاتين الكلمتين هي أشدّ ما تفوّه بهما عبد المالك، فذكرهما يغني عن كلّ كلام آخر سمع منه» لا اعتبار له، ولا قيمة له؛ بل هو من باب ذرّ الرماد في الأعين؛ لسببين:
أوّلهما: أنّه لست أنت ومن حضر معك من ذكره، وأثاره.
والسبب الثاني: أنّه جاء هذا التصريح بعد سنتين؛ أي هذه المدّة كلّها كنتم تتكتّمون وتلتزمون الصمت، واليوم صحّ النوم.
الوجه الثالث: أنّك إذا أنكرت هذا الأمر، فما هو الحديث الذي دار بينكم وبينه في الجلسة؟! وأنت نشرت الخطاب الذي وجّه إليه في آخر بيانك؛ فهلا ناقشتموه في تلك المطالب التي اتّفقنا عليها جميعا؛ وقد قلتُ لكم في لقائنا بعدما استنكرتُ عليكم لقاءَكم به، قلت: «على الأقلّ لو ناقشتموه في مطالبنا التي اتّفقنا عليها».
الوجه الرابع: أنّك إذا أنكرت ما أثاره عبد المالك في الصوتيتين، ولا ناقشتموه في تلك المطالب التي اتّفقنا عليها، فهل يمكن أن نعرف، أو تنشر، أو تبوح، أو تُعْلم الإخوة عمّا دار في جلستكم؟! فهل أنت فاعل؟!
الوجه الخامس: قولك: «ذكر الشيخ عزّ الدين خلاصة عن ملابسات تلك الجلسة وما دار فيها ...».
فهذا كذب –وربّ الكعبة- لم يتمّ ذلك، بل استنكرنا عليكم عدم تقديم تقرير عمّا دار بينكم؛ وإلا لماذا ثار هذا الخلاف لو كنت صادقًا؟!
المطلب الثالث:
في توضيحات وتعليقات على بعض ما ورد في بيان التوضيح
ذكر الأخ توفيق بعض القضايا في «بيان التوضيح»، وهي أيضا من مغالطاته، وملابساته التي شحن بها بيانه –مع الأسف الشديد-، وهي كثيرة، أقتصر على بعضها، والتي أراها مهمّة، وتطلعك على ما وراءها من التلبيس والمغالطة؛ وأوضّحها في نقاط:
أولا: أنّك تتّهمني أخي توفيق بسوء الظنّ –سامحك الله– وليس أحدٌ أحسن الظنّ بكم مثلنا؛ فقد صبرنا معكم وعليكم أكثر من عشر سنين، وكنتم تديرون دار الفضيلة كيفما شئتم، ولم نزاحمكم، ولم ننازعكم في شيء من إدارتها، وغيرها؛ لا الموقع، ولا المجلة (رغم الأخطاء العلمية والمنهجية الكثيرة والمتكرّرة فيها، ولطالما استنكرناها عليكم، ولم تستجيبوا)، ولا، ولا، ولا؛ بل كنّا نحضر المجالس في مناسبات، وننصرف؛ واليوم ترميني بسوء الظنّ -كذبا وزورًا- ضاربًا عرض الحائط كلّ ما كان بيننا.
ثانيا: قولك: «ويطعن في قصودهم ويغمز منهجهم، ويصفهم أنّهم أصحاب منهج الاحتواء».
أقول: إنّ أقوالكم، وأفعالكم، وتصرّفاتكم، ومجالسكم، وتزكياتكم، وصوتياتكم، هي من شهدت عليكم؛ حتى باتت لا تخفى للعيان؛ وإلا هل يمكن أن تفسّر لي سبب إعراض أكثر السلفيين عنكم بعد هذا الخلاف ، ونفضوا أيديهم منكم حتى خلت مجالسكم؟! وذلك لما رأوه منكم، وعلموه، وشاهدوه؛ من مصاحبة المخالفين، وتزكيتكم لهم، والدفاع عنهم، والاجتماع بهم على موائد الذبائح وووو؛ فهم من اتّخذوا موقفًا منكم، ورأوا أعمالكم تكذّب أقوالكم؛ أمّا نحن فإلى حدّ الساعة لم نطعن فيكم طعنًا صريحا، بل إذا سئلنا عن حضور مجالسكم فغالبا ما نلتزم الصمت؛ خلافا لما تزعمه كذبا وزورًا.
ثالثا: قولك: «... فكيف يتحمّلها صاحب البيان، إلا إن قصد الشيخ جمعة مؤاخذة الشيخ البخاري –أيضا- على طعنه في السلفيين». وبيانه من وجهين:
أحدهما: أنّ الاستدلال بالنصوص والاستشهاد بها يقتضي الإقرار بها؛ وإلا ما الفائدة من ذلك؟!
الثاني: أنّ كلامك هذا يقتضي التحريش، وإيغار الصدور؛ وليس هذا من شيم طالب علم فضلًا عن داعٍ ينتسب إلى السنّة؛ بل لو كان التحريش خلقي لكنت أولى به هنا لما أعلمه عنكم.
رابعا: قوله: «فانتبه يا شيخ جمعة –وفقك الله- لهذا الخلل الخطير في التعامل مع كلام العلماء الأكابر، وما يخلفه من آثار سيّئة في المستقبل عليك».
انظر ـأخي القارئ الكريمـ إلى هذا الاتّهام، والتحريش، والوعيد، والتهديد. والجواب عنه من وجوه:
أولها: إنّنا – والله- لأشدّ احترامًا لعلمائنا، وتوقيرا لهم، وأحسن تعاملًا منك، فإنّي لم أنقطع عن زيارة المشايخ لاسيما شيخنا ووالدنا الشيخ ربيع –شفاه الله وعفاه- منذ أن وطئت قدماي بلاد الحرمين في الحج أو العمرة، وذلك أكثر من ثلاثين سنة؛ بخلاف ما أنتم عليه، الذين انقطعتم عن زيارتهم منذ مدّة، ولما وقع الخلاف تذكّرتم أن لكم مشايخ ينبغي مراجعتهم، فهرعتم إليهم؛ وهذه بشهادة الشيخ عبد الله البخاري حيث قال: إنّي لم أر الجماعة منذ أكثر من سنتين.
أمّا في الخفاء فأمر آخر؛ فقد قال بعض منكم: «الشيخ ربيع لا أخدمه»؛ وقال آخر: «ليس كلّ جرح يأتي من الشيخ ربيع نقبله»....
فهلا تفاعلت مع كلامهم في ترك مصاحبة المخالفين؟!
وهلا تجاوبت مع كلامهم لمّا دعوكم إلى الرجوع عن أخطائكم؟!
وهلا تعاملت مع كلامهم، وعرفت قدرهم، لمّا طُعِنُوا في أعراضهم أمامكم بأقبح الألفاظ، ولم تدافعوا عنهم؟!
وهلا تعاملت مع كلامهم الداعي إلى ترك صحبة أرباب الأموال، والمتاجرة بالدعوة؟!
الوجه الثاني: اعلم –يا أخي توفيق- أنّ الضرّ والنفع، والوضع والرفع بيد الله جلّ جلاله، وليس بيدك. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
الوجه الثالث: ألا فاعلم –أخي توفيق- أنّ حبل الكذب قصير، وأنّ المكر السيّء لا يحيق إلا بأهله، وأنّ من تزيّن بما ليس فيه شانه الله، وأنّ المرء ينجيه الصدق، قال تعالى: (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) . وقال كعب بن مالك رضي الله عنه بعد نزول الآية السابقة: «فوالله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قطّ بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا». وقد قال قبل ذلك: «فقال لي (يعني الرسول-صلى الله عليه وسلم-): ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك. فقلت: بلى، إنّي –والله- لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعْطِيتُ جدلًا، ولكنّي –والله- لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدّثتك حديث صدق، تجد عليَّ فيه، إنّي لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أمّا هذا فقد صدق، فَقُمْ حتى يقضي الله فيك» رواه البخاري (4418) ومسلم (2769).
وأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال لعائشة في حادثة الإفك: «فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله».
وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمَّمًا، ويلعنون مذمّما، وأنا محمد» رواه البخاري (3533) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال ابن هبيرة في [الإفصاح عن معاني الصحاح» (7/349)] في تعليقه على هذا الحديث: «في هذا الحديث من الفقه: أنّ الله سبحانه صَرَف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرّ قريش وعن اسمه، فكانوا يقصدون بشتمهم مذمَّمًا، واسم رسول الله ï·؛ محمّد؛ وإنّما أراد الله سبحانه تنزيه اسمه من أن يعلّق به أذى مشرك، على أنّ إثم المشركين وأوزارهم على ما هي عليه من الثقل، فيضاعف الحوب في سوء القصد؛ وإنّما نزّه الله نبيَّه فقط.
وكذلك، فإنّ أهل طرابلس، ونحوها من أقاصي الشام، كانوا قد استولى عليهم الرفض، وسبّ الصحابة -على ما بلغني-، وكانوا يفحشون القول في الصحابة، فيقولون: أبو بأر -يريدون أبا بكر رضي الله عنه-؛ فأحدث الله في لسانهم لثغة، إذ أخرجوا الهمزة مخرج الكاف، وسلم الصديق رضي الله عنه من شتمهم، ويكمل أوزارهم سوء قصدهم» انتهى.
وقال أبو زرعة لأحمد بن حنبل: «كيف تخلّصت من سيف المعتصم، وسوط الواثق؟ فقال لي: يا أبا زرعة، لو جعل الصدق على جرح لبرأ» «تاريخ دمشق» (5/221).
خامسا: قوله في آخر المقال: «وفي الأخير؛ أدعوك يا شيخ عبد المجيد إلى أن تعيد سماع صوتيات العلماء التي وجّهت إلينا جميعا ....».
أقول: قد سمعناها، وإنّنا لنقدر جهود الشيخين الجليلين: الشيخ ربيع والشيخ عبيد في الحرص على الائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف.
ثمّ إنّي أراني أتعجّب من دعوتك للإصلاح، وتضرب على أوتار المشاعر، ومقالك قد حشوته بالكذب والطعون، والغمز واللمز، والاتّهام والتحريش، والتأليب، وإثارة المشاعر؛ ناهيك عن سكوتكم بل تواطئكم، وتزكيتكم، وإقراركم لهؤلاء الأغمار، الذين ملؤوا شبكة التواصل بالطعون، والاستخفاف، واستباحة الأعراض؛ من أمثال حمودة، ومرابط، والبليدي الجهلة عديمي الأدب، ومن كان على شاكلتهم؛ الذين أوغلوا في أعراض المشايخ؛ بمن فيهم شيخنا العلامة محمد علي فركوس؛ فلم يحترموا سنّه، ولا مكانته، ولا علمه، ولا هيبته، ووقاره، ولا سمته وأخلاقه. ولم يُسمع لكم صوت يردعهم، ويؤدّبهم؛ وأنتم تجتمعون بهم في مقرّكم، وفي الولائم والمناسبات.
ثم أنت تتكلّم عن الطعون؛ فمن بدأ أوّل مرّة؟! والبادئ أظلم. وقد قال تعالى: (... نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ). وقد انسحبنا من الإصلاح، ولم نتكلّم إلا ما اقتضته الضرورة، ومن صال وجال في الكلام في شيخنا جميعا الشيخ فركوس؛ الذي من أدبه، وحكمته أرجع استقالته إلى أسباب صحّية، ولم يبح بالخلاف رغم الحملة الإعلامية ضده، وبقي صابرًا وثابتًا؛ ولو تكلّم فيكم أوّل الأمر لما رفعت لكم راية.
فكيف ترميني بدائك وتنسل؟! وهل الإصلاح يكون بهذه الطريقة –أخي توفيق-؛ قل لي بربّك، ماذا أبقيتم للصلح؟!
أوْرَدَهَا سَعْدٌ وسعدٌ مُشتمِلْ *** ما هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبل
ولو كنت تريد الصلح حقيقة، وحرصت عليه، فقد كنت بالمدينة يوم أتيتَ أنت وصاحباك، وكانت فرصة سانحة لنجتمع كلّنا عند المشايخ، لا سيما وكنت قد أرسلت يومئذ إلى الشيخ محمد، والشيخ عبد الله البخاري رسالة أنّي لا زلت موجودًا بالمدينة، لو أرادوا الجلوس؛ وكان هذا بثلاثة أيام قبل رجوعي إلى الجزائر؛ وهذه الرسالة –أخي توفيق- قد وصلتك أيضا يومئذ من طرف أحد الإخوة عبر «الواتساب»، لكن لم تولوا له الاهتمام؛ وبعد رجوعك من العمرة زعمت أنّ الرسالة كانت بعد رجوعي أنا من المدينة؛ وهذا كذب، وتاريخ اليوم مثبت على جهاز هاتف الأخ المراسل، وشاهد على ما أقول.
وقد قلنا: إنّ هذا الائتلاف لا يمكن تحقيقه دون معالجة الأسباب التي أدّت إلى الفرقة؛ ولهذا لم نطلب منكم أن تنقلوا جبلًا من الجبال عن موضعه فكان أخفّ عليكم ممّا طلبناكم به؛ كما قال العلامة زيد المدخلي: «الاجتماع على الحقّ يدعو إلى الوئام والألفة، وإلى اتّحاد القلوب، واتّحاد الكلمة؛ وإذا لم يحصل اجتماع على الحقّ فإنّه لا ألفة، ولا، وئام، ولا اتّحاد بين المسلمين من كلّ وجه بسبب دخول البدع المضلّة على القلوب، وعقول من انشرح بها صدرًا» «سلم الوصول إلى بيان ستة الأصول» (222)
كلّ ما في الأمر أنّا طلبنا منكم:
1 - عدم العمل بالمنهج الأفيح الذي يُعاد فيه إدماج السلفيين المخالفين في مجلة الإصلاح على نمط ما يسير عليه الحلبي في دعوته، وهو ما ظهر من خلال إعادة استكتاب المخالفين والاجتماع بهم ومناصرتهم في المجمع والمجالس الأخرى.
2 ـ الإقلاع عن نبز مشايخ الدعوة في الجزائر، وخاصة في مجالسكم المغلقة.
3 ـ الاعتذار عما صدر في الفيديوهات، وكذا التعامل مع جمعية الونشريسي المعروفة بتوجهها .
4 ـ ترك مصاحبة بعض المخالفين، وتزكيتكم لهم.
5 ـ كتابة تراجع واضح عن تزكية المشايخ المخالفين للمنهج السلفي كابن حنفية والحلبي وعبد المالك.
6 ـ ترك إقامة الدروس في بعض مساجد المخالفين، وتزكيتكم لهم.
7 ـ الكف عن استغلال الدعوة السلفية لأغراض شخصية، والإقلاع عن المتاجرة بها.
وهو ما أبلغه الشيخ أزهر إلى الشيخ عبد الغني عوسات، وانتظرنا منكم الجواب، فلم نتلقّ منكم أيّ جواب. فلماذا تأخذك العزّة بالإثم؟!ولماذا هذا الإصرار، والتحدّي، والتعنّت؟! ماذا عليكم لو كتبتم بيانًا تتراجعون فيه عمّا أُخذَ عليكم، فيرفع الله قدركم، برجوعكم إلى الحقّ، فإنّ الحق قديم، والحقّ أحقّ أن يتّبع؛ فيحسم الخلاف، وتنطفئ الفتنة ويُرْأَب الصدعُ؛ وكان في وسعكم احتواء الخلاف والحدّ من إطالته؛ وإلا فمن أطال في عمر الخلاف، ووسّع دائرته؟!
ختاما أقول: لا أحد يرضى ما آلت إليه الدعوة اليوم، ولا أحد يرضى بالخلاف وإثارة الفتن؛ فإن كنتم صادقين، فاتركوا التعصّب لمواقفكم، وعزّتكم بالإثم، وارجعوا عن المآخذ التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، فإنّ الرجوع إلى الحق واجب وشرف، يتّصف به أهل التقوى والصلاح، لأنّ الحقّ قديم، والرجوع إليه خير من التمادي في الباطل، والعلو في الأرض والاستكبار عن الحقّ؛ لمن أراد ـصادقًاـ أن تقوى شوكةُ هذه الدعوةِ المباركة بالتئام الشمل، واجتماع الكلمة، وتوحُّد الصفّ؛ إحقاقا لقوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبيّنا محمد، وعلى أله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

ليست هناك تعليقات:

';