الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

عطاء بن أبي رباح وهشام بن عبد الملك


       قال عثمان بن عطاء الخراسانيّ : انطلقت مع أبي نُريد هشام بن عبدالملك فلما قَرُبنا إذا بشيخ على حمارٍ أسود عليه قميص دَنِس ، وجُبّةٍ دنِسة ، وقلنسوة لاطِئةٌ دنسة ، وركاباه من خشب ، فضحكتُ منه ، وقلت لأبي : مَن هذا الأعرابي!! قال : اسكت!! فهذا سيدُ فقهاء الحجاز عَطَاء من أبي رباح!! . فلما قرُبَ منا نزل أبي عن بغلته ، ونزل هو عن حماره ، فاعتنقا وتساءلا ، ثم عادا فركبا وانطلقا حتى وقفا على باب هشام ، فما استقرَّ بهما الجلوس حتى أذن لهما ، فلما خرج أبي قلتُ له : حدَّثني ما كان منكما . قال : لما قيل لهشام : إن عَطَاء بن أبي رباح بالباب أذِن له ، فوالله ما دخلتُ إلا بسببه . فلما رأه هشام قال : مرحبًا مرحبًا!! هَهُنا ، هَهُنا ، ولا زال يقول له : هَهُنا هَهُنا ، حتى أجلسه معه على سريره ، ومسَّ بركبته ركبته - وعنده أشرافُ الناس يتحدثون فسكتوا . فقال له : ما حاجتك يا أبا محمد ؟!! قال : يا أمير المؤمنين ، أهل الحرمين أهلُ الله وجيرانُ رسوله تُقَسَّم عليهم أرزاقهم وأعطياتهم . قال : يا غلام اكتب لأهل مكة والمدينة بعطاياهم وأزراقهم لِسنَة . ثم قال : هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟!! قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، أهلُ الحجاز وأهلُ نجد هم أصلُ العرب ، وقادةُ الإسلام ، تردُّ فيهم فضولَ صدقاتهم . قال : نعم . يا غلام اكتب بأن تُردّ فيهم فضول صدقاتهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟!! قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، أهلُ الثغور يَرُدّون من ورائكم ، ويقاتلون عدوّكم ، تـُجرِي لهم أرزاقًا تدرّها عليهم ، فإنهم إن هلكوا ضاعت الثغور . قال : يا غلام ، اكتب بحمل أزراقهم إليهم . هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟!! قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا يُكلَّفون ما لا يطيقون ، فإن ما تجبونه منهم معونة لكم على عدوكم . قال : نعم ، يا غلام ، اكتب لأهل الذمة بألا يكلَّفوا ما لا يطيقون!! هل من حاجة غيرها يا أبا محمد ؟!! قال : نعم ، اتَّق الله في نفسك ، فإنك خُلِقتَ وحدك ، وتموت وحدك ، وتُحشر وحدك ، وتحاسَبُ وحدك ، ولا والله ما معك مِمن ترى أحد!! فأكبَّ هشام ينْكُث في الأرض ، وهو يبكي ، فقام عطاء . فلما كنا عند الباب إذا برجل قد تبعه بكيس لا أدري ما فيه ، فقال : إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا . فقال : { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا 
عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، فولله ما شرب عنده قطرة ماء .
قلت أبوفاتح
هناك قصة أخرى ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء- قال الأصمعي : دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك ، وهو جالس على السرير ، وحوله الأشراف ، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته ، فلما بصر به عبد الملك ، قام إليه فسلم عليه ، وأجلسه معه على السرير ، وقعد بين يديه ، وقال : يا أبا محمد : حاجتك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! اتق الله في حرم الله ، وحرم رسوله ، فتعاهده بالعمارة ، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار ، فإنك بهم جلست هذا المجلس ، واتق الله في أهل الثغور ، فإنهم حصن المسلمين ، وتفقد أمور المسلمين ، فإنك وحدك المسئول عنهم ، واتق الله فيمن على بابك ، فلا تغفل عنهم ، ولا تغلق دونهم بابك ، فقال له : أفعل ، ثم نهض وقام ، فقبض عليه عبد الملك وقال : يا أبا محمد ! إنما سألتنا حوائج غيرك ، وقد قضيناها ، فما حاجتك ؟ قال : ما لي إلى مخلوق حاجة ، ثم  خرج ، فقال عبد الملك : هذا وأبيك الشرف ، هذا وأبيك السؤدد . 
  • روى أيوب بن سويد ، عن الأوزاعي قال : مات عطاء بن أبي رباح يوم مات ، وهو أرضى أهل الأرض عند الناس ، وما كان يشهد مجلسه إلا تسعة أو ثمانية .
  • وقال الثوري ، عن سلمة بن كهيل : ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة : عطاء ، وطاوس ، ومجاهد .
 س - أ -النبلاء - ص 84/85

ليست هناك تعليقات:

';