الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019

السفاح وخالد بن صفوان التميمي


         كان من ندماء " رفقاء " السفاح في الأدب و الأخبار خالد بن صفوان التميمي ، و مما نقل من أخباره الطريفة أنه دخل ذات يوم على السفاح فوجده خالياً ، فجلس ثم قال : " يا أمير المؤمنين ، أنا أترقّب مُذ تقلّدت الخلافة أن أجدك خالياً فألقي إليك ما أريده . قال : فاذكر حاجتك . قال : يا أمير المؤمنين ، إني فكرت في أمرك ، فلم أرى من هو مثل قدرك أقل استمتاعاً بالنساء ، وقد ملَّكتَ على نفسك امرأة واحدة ، واقتصرتَ عليها ، فإن مرضَتْ مرضْتَ ، وإن غابت غبت ، وإن غضِبَت حُرِمِت ، وإنما التَّلذُّذُ باستطراف الجواري ، ومعرفة اختلاف أحوالهن ، والاستمتاع بهن ، فلو رأيتَ الطويلة البيضاء ، والسمراء اللَّفّاء . والصفراء العجزاء ، والغَنِجَة الكحلاء ، والمولَّدات من المدنيات ، والمِلاح من القُنْدُهريّات ، ذوات الألسن العذبة ، والقُدور المهَفْهَفة . وجعل خالد بعذوبة لفظه واقتداره على الوصف يزيد في قوله ، فلما فرغ من كلامه ، قال السفاح له : والله يا خالد ما سلك سمعي قطُّ كلام أحسن من هذا ، لقد حرّك مني ساكناً . وبقي السفاح مفكراً عامة نهاره ، ثم دخلت عليه زوجته أم سلمة المخزومية ، فلما رأته دائم الفكر ، كثير السهو ، قليل النشاط . قالت : إني أُنكِرُك يا أمير المؤمنين ، فهل حدث ما تكرهه ؟!! . ولم تزل به حتى حدّثها بخبر خالد بن صفوان . قالت : فما قـُلتَ لابن الفاعلة ؟!! . قال لها : سبحان الله!! رجل نصحني تسبّينه ؟!! . فخرجت من عنده متميزة غضبا ، وأرسلت إلى خالد بجماعة من غلمانها العجم ومعهم العصي ، وأمرتهم ألا يتركوا فيه عضواً صحيحاً . أما خالد فقد انصرف من عند السفاح وهو على غاية السرور بما رأى الخليفة عليه من الإعجاب بحديثه ، وقعد على باب داره يتوقع جائزته . فلم يشعر إلا بالغلمان ، وتحقّق مجيئهم بالجائزة . فلما وقفوا على رأسه سألوه عن ابن صفوان . فقال : هأنذا . فأهوى بعضهم بهراوته إليه . فوثب خالد ودخل داره ، وغلّق بابه واستتر ، وعرف هفوته وزَلَّتَه في فعله وكلامه ، وعلم من أين أُتِي . ثم إنه مكث أياماً مستتراً . فلم يشعر ذات يوم إلا بجماعة من خدم السفاح قد هجموا عليه ، فقالوا : أجب أمير المؤمنين!! فأيقن بالهلكة ، وركب معهم وهو بلا دم . فلما دخل عليه وسلم فرد عليه ، سكنت نفسه بعض السكون ، وأومأ إليه بالجلوس فجلس . ونظر خالد فإذا خلف ظهر السفاح باب عليه ستور قد أرخيت ، واحسّ بحركة خلقه . ثم قال الخليفة : يا خالد ، لم أرك منذ أيام . فاعتلّ عليه ، فقال له : ويحك ، إنك وصفتَ لي آخر يوم كنت عندي فيه من أمر النساء والجواري ، ما لم يخرِق سمعي قطُّ مثله ، فأعِدْه عليّ . قال : نعم . أعلمتك يا أمير المؤمنين أن العرب اشتقّت اسم الضَّرتَّين من الضُّر . وأن أحدهم لم يكن عنده من النساء أكثر من واحدة إلا كان في جُهدٍ وكَد . قال السفاح : ويحك ، لم يكن هذا في كلامك . قال : بلى . وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأثافيّ القِدر تغْلِي عليهن . قال السفاح : برئتُ من قرابتي من رسول الله إن كنتُ سمعتُ هذا منك في حديث . قال : بلى ، وأخبرتك أن الأرض من النساء شرٌّ مجموع لمن كُنّ عنده ، يُهْرِمْنَه ويُنَغَّصْنَ عليه عيشه ، ويُشَيَّبْنَهُ قبل حينه . قال السفاح : والله ما سمعتُ هذا قط منك ولا من غيرك . قال : بلى يا أمير المؤمنين ، لقد قلتُ . قال : ويلك تكذَّبُني ؟!! قال : يا أمير المؤمنين ، فتريد قتلي ؟!! فسُمع ضحك شديد وراء الستر . فقال خالد : وأخبرتك أن بني مخزوم رياحين قريش ، و أنت عندك ريحانة من الرياحين ، وأنه لا يجب أن تطمح نفسُك إلى غيرها من النساء . فسُمع من وراء الستر صوت يقول : صدقت والله يا عمّاه ، ولاكن أمير المؤمنين غيّر وبدّل ، ونطق عن لسانك بغير ما ذكرتَه . وخرج خالد إلى منزله ، فلم يصل إليه حتى وجّهت إليه أم سلمة ثلاثة تــُخوت فيها أنواع الثياب وبرذون ، وعشرة آلاف درهم 

البِرْذَوْنُ : يُطلق على غير العربي من الخيل والبغال ، من الفصيلة الخيلية ، عظيم الخِلْقة ، غليظ الأعضاء ، قوي الأرجل ، عظيم الحوافر  

ليست هناك تعليقات:

';