أُتي الحجّاجُ بقوم ممن خرجوا عليه ، فأمر بهم فضُربت أعناقُهم ، وأقيمت صلاةُ المغرب وقد بقي من القوم واحد ، فقال لِقُتَيبة بنِ مسلم : انصرف به معك حتى تغْدُو به عليَّ . قال قُتيبة : فخرجتُ والرجلُ معي ، فلما كنَّا ببعض الطريق قال لي : هل لك في خير ؟!! قلت : وما ذاك ؟!! قال : إني والله ما خرجتُ على المسلمين ، ولا استحللت قِتالهم ، ولاكن ابتـُلِيتُ بما ترى ، وعندي ودائع وأموال ، فهل لك أن تـُخَلَّيَ سبيلي ، وتأذنَ لي حتى آتيَ أهلي ، وأرُدَّ على كل ذي حقٍّ حقَّه ، وأُوصي ، ولك عليَّ أن أرجعَ حتى أضعَ يدي في يدك ؟!! فعجبتُ له ، وتضاحَكْتُ لقوله ، ومَضَينا هُنيهةً ، ثم أعادَ عليّ القول ، وقال : إني أعاهدُك الله ، لك عليَِِّ أن أعودَ إليك . فما ملكتُ نفسي حتى قلت له : اذهب!! فلما توارى شَخصُه أُسقِطَ في يدي ، فقلت : ماذا صنعتُ بنفسي ؟!! وأتيتُ أهلي مهمومًا مغمومًا ، فسألوني عن شأني فأخبرتهم ، فقالوا : لقد اجترأتَ على الحجّاج . فبتنا بأطولِ ليلة ، فلما كان عند أذَان الفجر إذا الباب يُطرَق ، فخرجتُ فإذا أنا بالرجل ، فقلت : أَرجعتَ ؟!! قال : سبحان الله!! جعلتُ لك عهدَ الله عليّ ، فأخونُك ولا أرجع!! فقلت : أما والله إن استطعتُ لأنفعنَّك . وانطلقتُ به حتى أجلستُه على باب الحجاج ، ودخلت!! فلما رآني قال : يا قُتيبة ، أين أسيرُك ؟!! قلت : أصلح الله الأمير - بالباب ، وقد اتَّفق لي معه قصةٌ عجيبة ، قال : ما هي ؟!! فحدثتـُه الحديث ، فأَذن له فدخل ، ثم قال : يا قتيبةُ ، أتحبُّ أن أهبَه لك ؟!! قلت : نعم .قال هو لك!! فانصرف به معك . فلما خرجتُ به قلت له : خذ أيَّ طريقٍ شئت ، فرفع طرفه إلى السماء وقال : لك الحمدُ يا رب ، وما كلّمني بكلمة ، ولا قال لي أحسنتَ ولا أسأتَ!! فتعجب من أمره!! فلما كان بعد ثلاثة أيام جاءني ، وقال لي : جزاك الله خيرًا ، أما والله ما ذهبَ عني ما صنعت ، ولاكن كرهتُ أن أُشرِك مع حَمدِ الله حمدَ أحد!! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق